فَإِذَا صَارَتْ بُدْنًا هَدْيًا فَالْمَنَافِعُ فِيهَا أَيْضًا رُكُوبُهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَشُرْبُ لَبَنِهَا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: (ارْكَبْهَا) فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فَقَالَ: (ارْكَبْهَا) قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: (ارْكَبْهَا وَيْلَكَ) فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ. وَرُوِيَ عن جابر بن عبد الله وسيل عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا). وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَحْرُهَا، قَالَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. السَّادِسَةُ- ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى وُجُوبِ رُكُوبِ الْبَدَنَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (ارْكَبْهَا). وَمِمَّنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِرُكُوبِ الْبَدَنَةِ رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا إِلَّا إِنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ. ثم إذا ركبها عنده الحاجة نزل، قاله إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي. وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ، وَحُجَّتُهُ إِبَاحَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الرُّكُوبَ فَجَازَ لَهُ اسْتِصْحَابُهُ. وَقَوْلُهُ: (إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا) يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَا حَكَاهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَقَدْ جُهِدَ، فَقَالَ: (ارْكَبْهَا). وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: إِنْ نَقَصَهَا الرُّكُوبُ الْمُبَاحُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) يُرِيدُ أَنَّهَا تَنْتَهِي إِلَى الْبَيْتِ، وَهُوَ الطَّوَافُ. فَقَوْلُهُ:" مَحِلُّها" مَأْخُوذٌ مِنْ إِحْلَالِ الْمُحْرِمِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ شَعَائِرَ الْحَجِّ كُلَّهَا مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ يَنْتَهِي إِلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ. فَالْبَيْتُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مُرَادٌ بِنَفْسِهِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَنْتَهِي إِلَى مَكَّةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِلَى الْحَرَمِ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّعَائِرَ هِيَ الْبُدْنُ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الشَّعَائِرِ مَعَ عُمُومِهَا وَإِلْغَاءِ خُصُوصِيَّةِ ذِكْرِ الْبَيْتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute