الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ غَرِيبِ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ [قَالَ «١»] إِذَا قَذَفَ زوجته وأمها بالزنى: إِنَّهُ إِنْ حُدَّ لِلْأُمِّ سَقَطَ حَدُّ الْبِنْتِ، وَإِنْ لَاعَنَ لِلْبِنْتِ لَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْأُمِّ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَمَا رَأَيْتُ لَهُمْ [فِيهِ] شَيْئًا يُحْكَى، وَهَذَا بَاطِلٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ خَصَّ عُمُومَ الْآيَةِ فِي الْبِنْتِ وَهِيَ زَوْجَةٌ بِحَدِّ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ وَلَا أَصْلٍ قَاسَهُ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- إِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ زَنَتْ قَبْلَ الْتِعَانِهِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ: لَا يَسْقُطُ الحد عن القاذف، وزني الْمَقْذُوفِ بَعْدَ أَنْ قُذِفَ لَا يَقْدَحُ فِي حَصَانَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا يَرْفَعُهَا، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ الْحَصَانَةُ وَالْعِفَّةُ فِي حَالِ الْقَذْفِ لَا بَعْدَهُ. كَمَا لَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ الْقَذْفِ وَقَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنْهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لَا وَقْتِ الْإِقَامَةِ. وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ مَعْنًى لو كان موجودا في ابتداء مَنَعَ صِحَّةَ اللِّعَانِ وَوُجُوبَ الْحَدِّ، فَكَذَلِكَ إِذَا طَرَأَ فِي الثَّانِي، كَمَا إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ فَلَمْ يَحْكُمِ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى ظَهَرَ فِسْقُهُمَا بِأَنْ زَنَيَا أَوْ شَرِبَا خَمْرًا فَلَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا تِلْكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْعِفَّةِ وَالْإِحْصَانِ يُؤْخَذُ مِنْ طريق الظاهر لا من حيت الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى)، فَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ لَا تَحْمِلُ تَلَاعَنَا، هُوَ لِدَفْعِ الْحَدِّ، وَهِيَ لِدَرْءِ الْعَذَابِ. فَإِنْ كَانَتْ صغيرة لا تحمل لا عن هُوَ لِدَفْعِ الْحَدِّ وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ لِأَنَّهَا لو أقرت لم يلزمها شي. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَعَلَى هَذَا لَا لِعَانَ عَلَى زَوْجِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْمِلُ. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امرأة بالزنى أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا فَإِنَّ الزَّوْجَ يُلَاعِنُ وَتُحَدُّ الشُّهُودُ الثَّلَاثَةُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا شَهِدَ الزَّوْجُ وَالثَّلَاثَةُ ابْتِدَاءً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَحُدَّتِ المرأة. ودليلنا قوله
(١). زيادة عن ابن العربي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute