للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ) الْخِطَابُ لِمَنْ يَمْلِكُ أَمْرَ نَفْسِهِ، لَا لِمَنْ زِمَامُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَقُودُهُ إِلَى مَا يَرَاهُ، كَالْمَحْجُورِ [عليه «١»]- قَوْلًا وَاحِدًا- وَالْأَمَةُ وَالْعَبْدُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ العلماء. الثانية- و" استعفف" وَزْنُهُ اسْتَفْعَلَ، وَمَعْنَاهُ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ كُلَّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَلَا يَجِدُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَعَذَّرَ «٢» أَنْ يَسْتَعْفِفَ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ أَغْلَبُ الْمَوَانِعِ عَلَى النِّكَاحِ عَدَمَ الْمَالِ وَعَدَ بِالْإِغْنَاءِ مِنْ فَضْلِهِ، فَيَرْزُقُهُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ، أَوْ يَجِدُ امْرَأَةً تَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنَ الصَّدَاقِ، أَوْ تَزُولُ عَنْهُ شَهْوَةُ النِّسَاءِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُمُ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ (. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَجِدُونَ نِكاحاً) أَيْ طَوْلَ نِكَاحٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَقِيلَ: النِّكَاحُ ها هنا مَا تُنْكَحُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، كَاللِّحَافِ اسْمٌ لِمَا يُلْتَحَفُ بِهِ. وَاللِّبَاسُ اسْمٌ لِمَا يُلْبَسُ، فَعَلَى هَذَا لَا حَذْفَ فِي الْآيَةِ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:" حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" فَظَنُّوا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالِاسْتِعْفَافِ إِنَّمَا هُوَ مَنْ عَدِمَ الْمَالَ الَّذِي يَتَزَوَّجُ بِهِ. وَفِي هَذَا الْقَوْلِ تَخْصِيصُ الْمَأْمُورِينَ بِالِاسْتِعْفَافِ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ، بَلِ الْأَمْرُ بِالِاسْتِعْفَافِ مُتَوَجِّهٌ لِكُلِّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ بِأَيِ وَجْهٍ تَعَذَّرَ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ- مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى النِّكَاحِ فَإِنْ وَجَدَ الطَّوْلَ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الطَّوْلَ فَعَلَيْهِ بالاستعفاف فإن أَمْكَنَ وَلَوْ بِالصَّوْمِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ «٣»، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ. وَمَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إِلَى النِّكَاحِ فَالْأَوْلَى لَهُ التَّخَلِّي لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْخَبَرِ (خَيْرُكُمُ الْخَفِيفُ الْحَاذِ «٤» الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ). وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ نِكَاحِ الْإِمَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّوْلِ لِلْحُرَّةِ فِي" النِّسَاءِ" «٥» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَلَمَّا لم يجعل الله له بين «٦» الْعِفَّةِ وَالنِّكَاحِ دَرَجَةً دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عداهما


(١). من ك.
(٢). في ك: يعذر.
(٣). الوجاء- بالكسر- الخصاء. أي الصوم يقطع الشهوة كما يقطعها الخصاء.
(٤). الحاذ الحال تفسيره ما بعده.
(٥). راجع ج ٥ ص ١٣٦ فما بعد.
(٦). من ب وك.