للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ يَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَبِيعُهُ وَيَأْتِيهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَيُعِينُهُ اللَّهُ عَلَى رَفْعِ تِلْكَ الصَّخْرَةِ حَتَّى يُدْلِيَهُ إِلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحْتَطِبُ إِذْ نَامَ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أُذُنِهِ سبع سنين نائما ثم هب من نومه فتمطى واتكأ على شقه الآخر فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أُذُنِهِ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ هَبَّ فَاحْتَمَلَ حُزْمَةَ الْحَطَبِ فَبَاعَهَا وَأَتَى بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ أَرَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى آيَةً فَاسْتَخْرَجُوهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَمَاتَ ذَلِكَ النَّبِيُّ". قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ الْأَسْوَدَ لَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ" وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الْمَهْدَوِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ، وَاللَّفْظُ لِلثَّعْلَبِيِّ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ آمَنُوا بِنَبِيِّهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَصْحَابَ الرَّسِّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ أَصْحَابِ الرَّسِّ أَنَّهُ دَمَّرَهُمْ، إِلَّا أَنْ يُدَمَّرُوا بِأَحْدَاثٍ أَحْدَثُوهَا بَعْدَ نَبِيِّهِمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَصْحَابُ الرَّسِّ قَوْمٌ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا فَأَكَلُوهُ. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ نِسَاؤُهُمُ السَّحْقَ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْأَخَادِيدَ وَحَرَّقُوا فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيَأْتِي «١». وَقِيلَ: هُمْ بَقَايَا مِنْ قَوْمِ ثَمُودَ، وَإِنَّ الرَّسَّ الْبِئْرُ الْمَذْكُورَةُ في" الحج" في قوله:" وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ" عَلَى مَا تَقَدَّمَ «٢». وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّسُّ اسْمُ بِئْرٍ كَانَتْ لِبَقِيَّةٍ مِنْ ثَمُودَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَصْحَابُ الرَّسِّ قَوْمٌ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ لِنِسَائِهِمُ السَّحْقَ، وَكَانَ نِسَاؤُهُمْ كُلُّهُمْ سَحَّاقَاتٍ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَكْتَفِيَ الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَذَلِكَ السَّحْقُ". وَقِيلَ: الرَّسُّ مَاءٌ وَنَخْلٌ لِبَنِي أَسَدٍ. وَقِيلَ: الثَّلْجُ الْمُتَرَاكِمُ فِي الْجِبَالِ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ كُلُّ حَفْرٍ احْتُفِرَ كَالْقَبْرِ وَالْمَعْدِنِ وَالْبِئْرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الرَّسُّ كُلُّ رَكِيَّةٍ لَمْ تُطْوَ، وَجَمْعُهَا رِسَاسٌ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَهُمْ سائرون إلى أرضهم فيا ليتهم يَحْفِرُونَ الرِّسَاسَا وَالرَّسُّ اسْمُ وَادٍ فِي قَوْلِ زُهَيْرٍ: بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ وَرَسَسْتُ رَسًّا: حَفَرْتُ بِئْرًا. وَرُسَّ الْمَيِّتُ أَيْ قُبِرَ. وَالرَّسُّ: الْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْإِفْسَادُ أَيْضًا وَقَدْ رَسَسْتُ بَيْنَهُمْ، فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ. وَقَدْ قِيلَ فِي أَصْحَابِ الرَّسِّ غير ما ذكرنا، ذكره


(١). راجع ج ١٩ ص ٢٨٤.
(٢). راجع ج ١٢ ص ٧٥.