للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ إِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشْرَ ذِرَاعًا، وَكَانَتْ إِذَا غُلِقَ النِّيلُ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَنُودِيَ عَلَيْهِ إِصْبَعٌ وَاحِدٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، ازْدَادَ فِي خَرَاجِهَا أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ. فَإِذَا خَرَجَ. عَنْ ذَلِكَ وَنُودِيَ عَلَيْهِ إِصْبَعًا وَاحِدًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا نَقَصَ خَرَاجُهَا أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ. وَسَبَبُ هَذَا مَا كَانَ يَنْصَرِفُ فِي الْمَصَالِحِ وَالْخِلْجَانِ وَالْجُسُورِ وَالِاهْتِمَامِ بِعِمَارَتِهَا. فَأَمَّا الْآنَ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَا يُرْوَى حَتَّى يُنَادَى إِصْبَعٌ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا بِمِقْيَاسِ مِصْرَ. وَأَمَّا أَعْمَالُ الصَّعِيدِ الْأَعْلَى، فَإِنَّ بِهَا مَا لَا يَتَكَامَلُ رَيُّهُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ فِي الذِّرَاعِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ بِالصَّعِيدِ الْأَعْلَى. قُلْتُ: أَمَّا أَرْضُ مِصْرَ فَلَا تُرْوَى جَمِيعُهَا الْآنَ إِلَّا مِنْ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَأَصَابِعَ، لِعُلُوِّ الْأَرْضِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِعِمَارَةِ جُسُورِهَا، وَهُوَ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَزِيدُ إِذَا انْصَبَّتِ الْمِيَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ حَتَّى يَسِيحَ عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ، وَتَبْقَى الْبِلَادُ كَالْأَعْلَامِ لَا يُوصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْمَرَاكِبِ وَالْقِيَاسَاتِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: نِيلُ مِصْرَ سَيِّدُ الْأَنْهَارِ، سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ نَهْرٍ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَذَلَّلَ اللَّهُ لَهُ الْأَنْهَارَ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ نِيلَ مِصْرَ أَمَرَ كُلَّ نَهْرٍ أَنْ يَمُدَّهُ، فَأَمَدَّتْهُ الْأَنْهَارُ بِمَائِهَا، وَفَجَّرَ اللَّهُ لَهُ عُيُونًا، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى كُلِّ مَاءٍ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى عُنْصُرِهِ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْحَجَّاجِ: لَمَّا افْتُتِحَتْ مِصْرُ أَتَى أَهْلُهَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ بَئُونَةُ مِنْ أَشْهُرِ الْقِبْطِ فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ لِنِيلِنَا هَذَا سُنَّةً لَا يَجْرِي إِلَّا بِهَا، فَقَالَ لَهُمْ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالُوا: إِذَا كَانَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً تَخْلُو مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عَمَدْنَا إِلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ بَيْنَ أَبَوَيْهَا، أَرْضَيْنَا أَبَوَيْهَا، وَحَمَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ أَفْضَلَ مَا يَكُونُ، ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي هَذَا النِّيلِ، فَقَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَيَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ. فَأَقَامُوا أَبِيبَ وَمِسْرَى لَا يَجْرِي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَهَمُّوا بِالْجَلَاءِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَعْلَمَهُ بِالْقِصَّةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ بِالَّذِي فَعَلْتَ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا. وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِبِطَاقَةٍ فِي دَاخِلِ كِتَابِهِ. وَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِبِطَاقَةٍ دَاخِلَ كِتَابِي، فَأَلْقِهَا فِي النيل