قوله تعالى:" وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ" النَّحْتُ النَّجْرُ وَالْبَرْيُ، نَحَتَهُ يَنْحِتُهُ (بِالْكَسْرِ) نَحْتًا إِذَا بَرَاهُ والنحاتة البراية. المنحت مَا يُنْحَتُ بِهِ. وَفِي" وَالصَّافَّاتِ" قَالَ:" أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ". وَكَانُوا يَنْحِتُونَهَا مِنَ الْجِبَالِ لَمَّا طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ وَتَهَدَّمَ بِنَاؤُهُمْ مِنَ الْمَدَرِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ:" فَرِهِينَ" بِغَيْرِ أَلِفٍ. الْبَاقُونَ:" فارِهِينَ" بِأَلِفٍ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ، مِثْلُ:" عِظاماً نَخِرَةً" وَ" نَاخِرَةً". وَحَكَاهُ قُطْرُبٌ. وَحَكَى فَرُهَ يَفْرُهُ فَهُوَ فَارِهٌ وَفَرِهَ يَفْرَهُ فَهُوَ فَرِهٌ وَفَارِهٌ إِذَا كَانَ نَشِيطًا. وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَوْمٌ فَقَالُوا:" فارِهِينَ" حَاذِقِينَ بِنَحْتِهَا، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ:" فارِهِينَ" مُتَجَبِّرِينَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَى" فَرِهِينَ" بِغَيْرِ أَلِفٍ أَشِرِينَ بَطِرِينَ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ شَرِهِينَ. الضَّحَّاكُ: كَيِّسِينَ. قَتَادَةُ: مُعْجَبِينَ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ، وَعَنْهُ: نَاعِمِينَ. وَعَنْهُ أَيْضًا آمِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَقِيلَ: مُتَخَيِّرِينَ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِلَى فَرِهٍ يُمَاجِدُ كُلَّ أَمْرٍ ... قَصَدْتُ لَهُ لِأَخْتَبِرَ الطِّبَاعَا
وَقِيلَ: مُتَعَجِّبِينَ، قَالَهُ خُصَيْفٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَقْوِيَاءُ. وَقِيلَ: فَرِهِينَ فَرِحِينَ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْهَاءِ وَالْحَاءِ، تَقُولُ: مَدَهْتُهُ وَمَدَحْتُهُ، فَالْفَرِهُ الْأَشِرُ الْفَرِحُ ثُمَّ الْفَرِحُ بِمَعْنَى الْمَرِحِ مَذْمُومٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً" وَقَالَ:" إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"." فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ" قِيلَ: الْمُرَادُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ. وَقِيلَ: التِّسْعَةُ الرَّهْطُ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ. قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى صَالِحٍ: إِنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ نَاقَتَكَ، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ. فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: إِنَّهُ سَيُولَدُ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا غُلَامٌ يَعْقِرُهَا وَيَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ، فَقَالُوا: لَا يُولَدُ فِي هَذَا الشَّهْرِ ذَكَرٌ إِلَّا قَتَلْنَاهُ. فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ، ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ وَكَانَ لَمْ يُولَدْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَانَ ابْنُ الْعَاشِرَ أَزْرَقَ أَحْمَرَ فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ فَرَأَوْهُ قَالُوا: لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاءً لَكَانُوا مِثْلَ هَذَا. وَغَضِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute