وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أُرْسِلَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أُمَّتَيْنِ: إِلَى قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ، وَإِلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ، قَالَ: وَالْأَيْكَةُ غَيْضَةٌ مِنْ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ. وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أَهْلَ غَيْضَةٍ وَشَجَرٍ وَكَانَتْ عَامَّةُ شَجَرِهِمُ الدَّوْمَ وَهُوَ شَجَرُ الْمُقْلِ. وَرَوَى ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: خَرَجَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ- يَعْنِي حِينَ أَصَابَهُمُ الْحَرُّ- فَانْضَمُّوا إِلَى الْغَيْضَةِ وَالشَّجَرِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَحَابَةً فَاسْتَظَلُّوا تَحْتَهَا، فَلَمَّا تَكَامَلُوا تَحْتَهَا أُحْرِقُوا. ولو لم يكن في هَذَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَ" الْأَيْكَةِ" الشَّجَرُ. وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ اخْتِلَافًا أَنَّ الْأَيْكَةَ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ، فَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنِ احْتَجَّ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ فِي هَذَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْفَتْحِ أَنَّهُ فِي السَّوَادِ" لَيْكَةِ" فَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَالْقَوْلُ فِيهِ: إِنَّ أَصْلَهُ الْأَيْكَةُ ثُمَّ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ فَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى اللَّامِ فَسَقَطَتْ وَاسْتَغْنَتْ عَنْ أَلِفِ الْوَصْلِ، لِأَنَّ اللَّامَ قَدْ تَحَرَّكَتْ فَلَا يَجُوزُ عل هَذَا إِلَّا الْخَفْضُ، كَمَا تَقُولُ بِالْأَحْمَرِ تُحَقِّقُ الهمزة ثم تخفضها فنقول بِلَحْمَرِ، فَإِنْ شِئْتَ كَتَبْتَهُ فِي الْخَطِّ عَلَى مَا كَتَبْتَهُ أَوَّلًا، وَإِنْ شِئْتَ كَتَبْتَهُ بِالْحَذْفِ، وَلَمْ يَجُزْ إِلَّا الْخَفْضُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَنْصَرِفُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ أُضِيفَ انْصَرَفَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا. وَقَالَ الْخَلِيلُ:" الْأَيْكَةِ" غَيْضَةٌ تُنْبِتُ السِّدْرَ وَالْأَرَاكَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ نَاعِمِ الشَّجَرِ. (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) وَلَمْ يقبل أَخُوهُمْ شُعَيْبٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخًا لِأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ فِي النَّسَبِ، فَلَمَّا ذَكَرَ مَدْيَنَ قَالَ:" أَخاهُمْ شُعَيْباً"، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْأَعْرَافِ" «١» الْقَوْلُ فِي نَسَبِهِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرْسَلَ اللَّهُ شُعَيْبًا رَسُولًا إِلَى قَوْمِهِ أَهْلِ مَدْيَنَ، وَإِلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. (أَلا تَتَّقُونَ) تَخَافُونَ اللَّهَ (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) الآية. وَإِنَّمَا كَانَ جَوَابُ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ وَاحِدًا عَلَى صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى، وَالطَّاعَةِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ. (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) الناقصين للكيل
(١). راجع ج ٧ ص ٢٤٧ وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute