فَمُحَالٌ أَنْ يُضَمَّ الشَّيْءُ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ الشَّيْءُ إِلَى الشَّيْءِ لِيَتَبَيَّنَ بِهِ مَعْنَى الْمِلْكِ أَوِ النَّوْعِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالِكُ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ نَوْعِهَا. وَ" شِهَابِ قَبَسٍ" إِضَافَةُ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ، كَمَا تَقُولُ: هَذَا ثَوْبُ خَزٍّ، وَخَاتَمُ حَدِيدٍ وَشَبَهُهُ. وَالشِّهَابُ كُلُّ ذِي نُورٍ، نَحْوَ الْكَوْكَبِ وَالْعُودِ الْمُوقَدِ. وَالْقَبَسُ اسْمٌ لِمَا يُقْتَبَسُ مِنْ جَمْرٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَالْمَعْنَى بِشِهَابٍ مِنْ قَبَسٍ. يُقَالُ. أَقْبَسْتُ قَبْسًا، وَالِاسْمُ قَبَسٌ. كَمَا تَقُولُ: قَبَضْتُ قَبْضًا. وَالِاسْمُ الْقَبْضُ. وَمَنْ قَرَأَ" بِشِهابٍ قَبَسٍ" جَعَلَهُ بَدَلًا مِنْهُ. الْمَهْدَوِيُّ: أَوْ صِفَةٌ لَهُ، لِأَنَّ الْقَبَسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا غَيْرَ صِفَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً، فَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ صِفَةٍ فَلِأَنَّهُمْ قَالُوا قَبَسْتُهُ أَقْبَسُهُ قَبْسًا وَالْقَبَسُ الْمَقْبُوسُ، وَإِذَا كَانَ صِفَةً فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا. وَالْإِضَافَةُ فِيهِ إِذَا كَانَ غَيْرَ صِفَةٍ أَحْسَنُ. وَهِيَ إِضَافَةُ النَّوْعِ إِلَى جِنْسِهِ كَخَاتَمِ فِضَّةٍ وَشَبَهِهِ. وَلَوْ قُرِئَ بِنَصْبِ قَبَسٍ عَلَى الْبَيَانِ أَوْ الْحَالِ كَانَ أَحْسَنَ. وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ بِشِهَابٍ قَبَسًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَوْ بَيَانٌ أَوْ حَالٌ." لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" أَصْلُ الطَّاءِ تَاءٌ فَأُبْدِلَ مِنْهَا هُنَا طَاءً، لِأَنَّ الطَّاءَ مُطْبَقَةٌ وَالصَّادَ مُطْبَقَةٌ فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَسَنًا، وَمَعْنَاهُ يَسْتَدْفِئُونَ مِنَ الْبَرْدِ. يُقَالُ: اصْطَلَى يَصْطَلِي إِذَا اسْتَدْفَأَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
النَّارُ فَاكِهَةُ الشِّتَاءِ فَمَنْ يُرِدْ ... أَكْلَ الْفَوَاكِهِ شَاتِيًا فَلْيَصْطَلِ
الزَّجَّاجُ: كُلُّ أَبْيَضَ ذِي نُورٍ فَهُوَ شِهَابٌ. أَبُو عُبَيْدَةَ: الشِّهَابُ النَّارُ. قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
كَأَنَّمَا كَانَ شِهَابًا وَاقِدَا ... أَضَاءَ ضَوْءًا ثُمَّ صَارَ خَامِدَا
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: أَصْلُ الشِّهَابِ عُودٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ جَمْرَةٌ وَالْآخَرُ لَا نَارَ فِيهِ، وَقَوْلُ النَّحَّاسِ فِيهِ حَسَنٌ: وَالشِّهَابُ الشُّعَاعُ المضي وَمِنْهُ الْكَوْكَبُ الَّذِي يَمُدُّ ضَوْءَهُ فِي السَّمَاءِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فِي كَفِّهِ صَعْدَةٌ «١» مُثَقَّفَةٌ ... فِيهَا سِنَانٌ كَشُعْلَةِ الْقَبَسِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا جاءَها) أَيْ فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَارٌ وَهِيَ نُورٌ، قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. فَلَمَّا رَأَى مُوسَى النَّارَ وَقَفَ قَرِيبًا مِنْهَا، فَرَآهَا تَخْرُجُ مِنْ فَرْعِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ شَدِيدَةِ الْخُضْرَةِ يُقَالُ لَهَا الْعُلَّيْقُ، لَا تَزْدَادُ النَّارُ إلا عظما وتضرما، ولا تزداد الشجرة
(١). الصعدة: القناة التي تنبت مستقيمة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute