للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَبِيِّ اللَّهِ؟ قَالُوا: وَمَا قَدْرُ مَا نُهْدِي لَهُ! وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا إِلَّا نَبْقَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَتْ: حَسَنَةٌ، ايتُونِي بِهَا. فَأَتَوْهَا بِهَا فَحَمَلَتْهَا بِفِيهَا فَانْطَلَقَتْ تَجُرُّهَا، فَأَمَرَ اللَّهُ الرِّيحَ فَحَمَلَتْهَا، وَأَقْبَلَتْ تَشُقُّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالْعُلَمَاءَ وَالْأَنْبِيَاءَ عَلَى الْبِسَاطِ، حَتَّى وَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَتْ تِلْكَ النَّبْقَةَ مِنْ فِيهَا فِي كَفِّهِ، وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:

أَلَمْ تَرَنَا نُهْدِي إِلَى اللَّهِ مَالَهُ ... وَإِنْ كَانَ عَنْهُ ذَا غِنًى فَهُوَ قَابِلُهْ

وَلَوْ كَانَ يُهْدَى لِلْجَلِيلِ بِقَدْرِهِ ... لَقَصَّرَ عَنْهُ الْبَحْرُ يَوْمًا وَسَاحِلُهْ

وَلَكِنَّنَا نُهْدِي إِلَى مَنْ نُحِبُّهُ ... فَيَرْضَى بِهِ عَنَّا وَيُشْكَرُ فَاعِلُهْ

وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ كَرِيمِ فِعَالِهِ ... وَإِلَّا فَمَا فِي مُلْكِنَا مَا يُشَاكِلُهْ

فَقَالَ لَهَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ، فَهُمْ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ أَشْكَرُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْثَرُ خَلْقِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: الْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ وَالنَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْأَعْرَافِ" «١». فَالنَّمْلَةُ أَثْنَتْ عَلَى سُلَيْمَانَ وَأَخْبَرَتْ بِأَحْسَنِ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ إِنْ حَطَمُوكُمْ، وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَنْ عَمْدٍ مِنْهُمْ، فَنَفَتْ عَنْهُمُ الْجَوْرَ، وَلِذَلِكَ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا، وَعَنْ قَتْلِ الْهُدْهُدِ، لِأَنَّهُ كَانَ دَلِيلَ سُلَيْمَانَ عَلَى الْمَاءِ وَرَسُولَهُ إِلَى بِلْقِيسَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّمَا صَرَفَ اللَّهُ شَرَّ سُلَيْمَانَ عَنِ الْهُدْهُدِ لِأَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ. وَالصُّرَدُ يُقَالُ لَهُ الصَّوَّامُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَامَ الصُّرَدُ وَلَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الشَّأْمِ إِلَى الْحَرَمِ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ كَانَتِ السَّكِينَةُ «٢» مَعَهُ وَالصُّرَدُ، فَكَانَ الصُّرَدُ دَلِيلَهُ عَلَى الْمَوْضِعِ وَالسَّكِينَةُ مِقْدَارَهُ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْبُقْعَةِ وَقَعَتِ السَّكِينَةُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ وَنَادَتْ وَقَالَتْ: ابْنِ يَا إِبْرَاهِيمُ عَلَى مِقْدَارِ ظِلِّي. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْأَعْرَافِ" سَبَبُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ وَفِي" النَّحْلِ" «٣» النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النَّحْلِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.


(١). راجع ج ٧ ص ٢٧٠ طبعه أولى أو ثانية.
(٢). السكينة: سحابة كما في القصة. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ السكينة ريح سريعة الممر. وليس بواضح.
(٣). راجع ج ١٠ ص ١٣٤ طبعه أولى أو ثانية.