وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ النَّقَّاشِ: تَزَوَّجَهَا وَرَدَّهَا إِلَى مُلْكِهَا: بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يَأْتِيهَا عَلَى الرِّيحِ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا سَمَّاهُ دَاوُدَ مَاتَ فِي زَمَانِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" كَانَتْ بِلْقِيسُ مِنْ أَحْسَنِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ سَاقَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَزْوَاجِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْجَنَّةِ" فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ أَحْسَنُ سَاقَيْنِ مِنِّي؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامَ:" أَنْتِ أَحْسَنُ سَاقَيْنِ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ" ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ الْحَمَّامَاتِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ فَلَمَّا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَمَسَّهُ حَرُّهَا قَالَ أَوَّاهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ". ثُمَّ أَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَأَقَرَّهَا عَلَى مُلْكِهَا بِالْيَمَنِ، وَأَمَرَ الْجِنَّ فَبَنَوْا لَهَا ثَلَاثَةَ حُصُونٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا ارْتِفَاعًا: سَلْحُونَ وَبَيْنُونَ وَعُمْدَانَ، ثُمَّ كَانَ سُلَيْمَانُ يَزُورُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَحَكَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ نَاسًا مِنْ حِمْيَرَ حَفَرُوا مَقْبَرَةَ الْمُلُوكِ، فَوَجَدُوا فِيهَا قبرا معقودا فيه امرأة حُلَلٌ مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ، وَعِنْدَ رَأْسِهَا لَوْحُ رُخَامٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ:
يَا أَيُّهَا الْأَقْوَامُ عُوجُوا مَعًا ... وَأَرْبِعُوا فِي مَقْبَرِي الْعِيسَا
لِتَعْلَمُوا أَنِّي تِلْكَ الَّتِي ... قَدْ كُنْتُ أُدْعَى الدَّهْرَ بِلْقِيسَا
شَيَّدْتُ قَصْرَ الْمُلْكِ فِي حِمْيَرَ ... قَوْمِي وَقِدْمًا كَانَ مَأْنُوسَا
وَكُنْتُ فِي مُلْكِي وَتَدْبِيرِهِ ... أُرْغِمُ فِي اللَّهِ الْمَعَاطِيسَا
بَعْلِي سُلَيْمَانُ النَّبِيُّ الَّذِي ... قَدْ كَانَ لِلتَّوْرَاةِ دِرِّيسَا
وَسُخِّرَ الرِّيحُ لَهُ مَرْكَبًا ... تَهُبُّ أَحْيَانًا رَوَامِيسَا
مَعَ ابْنِ دَاوُدَ النَّبِيِّ الَّذِي ... قَدَّسَهُ الرَّحْمَنُ تَقْدِيسَا
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لَمْ يَتَزَوَّجْهَا سُلَيْمَانُ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا: اخْتَارِي زَوْجًا، فَقَالَتْ: مِثْلِي لَا يُنْكَحُ وَقَدْ كَانَ لِي مِنَ الْمُلْكِ مَا كَانَ. فَقَالَ: لَا بُدَّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ذَلِكَ. فَاخْتَارَتْ ذَا تُبَّعٍ مَلِكَ هَمْدَانَ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا وَرَدَّهَا إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَ زَوْبَعَةَ أَمِيرَ جِنِّ الْيَمَنِ أَنْ يُطِيعَهُ، فَبَنَى لَهُ الْمَصَانِعَ، وَلَمْ يَزَلْ أَمِيرًا حَتَّى مَاتَ سُلَيْمَانُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ صَحِيحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute