للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْمَعْنَى: بَلْ تَتَابَعَ عِلْمُهُمُ الْيَوْمَ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالُوا تَكُونُ وَقَالُوا لا تكون. القراءة الثانية فيها قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ كَمُلَ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ يُدْرَكُ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَيَعْلَمُونَهَا إِذَا عَايَنُوهَا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ عِلْمُهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُكَذِّبِينَ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ بَعْدَهُ" بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ" أَيْ لَمْ يُدْرِكْ عِلْمُهُمْ عِلْمَ الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: بَلْ ضَلَّ وَغَابَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ. وَالْقِرَاءَةُ الثَّالِثَةُ:" بَلِ أدرك" فهي بمعنى" بَلِ ادَّارَكَ" وقد يجئ افْتَعَلَ وَتَفَاعَلَ بِمَعْنًى، وَلِذَلِكَ صُحِّحَ ازْدَوَجُوا حِيْنَ كَانَ بِمَعْنَى تَزَاوَجُوا. الْقِرَاءَةُ الرَّابِعَةُ: لَيْسَ فِيهَا إِلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ يَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ، كَمَا تَقُولُ: أَأَنَا قَاتَلْتُكَ؟! فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَمْ يُدْرِكْ، وَعَلَيْهِ تَرْجِعُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابن عباس:" بلى ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ" أَيْ لَمْ يُدْرِكْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِالْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ، كَقَوْلِكَ لِرَجُلٍ تُكَذِّبُهُ: بَلَى لَعَمْرِي قَدْ أَدْرَكْتَ السَّلَفَ فَأَنْتَ تَرْوِي مَا لَا أَرْوِي وَأَنْتَ تُكَذِّبُهُ. وَقِرَاءَةٌ سَابِعَةٌ:" بَلَ ادَّرَكَ" بِفَتْحِ اللَّامِ، عَدَلَ إِلَى الْفَتْحَةِ لِخِفَّتِهَا. وَقَدْ حُكِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ قُطْرُبٍ فِي" قُمِ اللَّيْلَ" فَإِنَّهُ عَدَلَ إِلَى الْفَتْحِ. وَكَذَلِكَ وَ (بِعَ الثَّوْبَ) وَنَحْوَهُ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الكتاب: وقرى" بل أأدرك" بهمزتين" بل آأدرك" بِأَلِفٍ بَيْنَهُمَا" بَلَى أَأَدَّرَكَ"" أَمْ تَدَارَكَ"" أَمْ أَدَّرَكَ" فَهَذِهِ ثِنْتَا عَشْرَةَ قِرَاءَةً، ثُمَّ أَخَذَ يُعَلِّلُ وُجُوهَ الْقِرَاءَاتِ وَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ فَمَا وجه قراءة" بل أأدرك" عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؟ قُلْتُ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِإِدْرَاكِ عِلْمِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَرَأَ" أَمْ أَدَّرَكَ" وَ" أَمْ تَدَارَكَ" لِأَنَّهَا أَمِ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةِ، وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ" بَلَى أَأَدَّرَكَ" عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَمَعْنَاهُ بَلَى يَشْعُرُونَ مَتَى يُبْعَثُونَ، ثُمَّ أَنْكَرَ عِلْمَهُمْ بِكَوْنِهَا، وَإِذَا أَنْكَرَ عِلْمَهُمْ بِكَوْنِهَا لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُمْ شُعُورٌ وَقْتَ كَوْنِهَا، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوَقْتِ الْكَائِنِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِكَوْنِ الْكَائِنِ." فِي الْآخِرَةِ" فِي شَأْنِ الْآخِرَةِ وَمَعْنَاهَا. (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) أَيْ فِي الدُّنْيَا. (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) أَيْ بقلوبهم واحدهم عموم. وَقِيلَ: عَمٍ، وَأَصْلُهُ عَمْيُونَ حُذِفَتِ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ تَحْرِيكُهَا لِثِقَلِ الْحَرَكَةِ فِيهَا.