وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنْ نَقَدَ مَعَهُ شَيْئًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ فَهُوَ أَشَدُّ، فَإِنْ تُرِكَ مَضَى عَلَى كُلِّ حَالٍ بِدَلِيلِ قِصَّةِ شُعَيْبٍ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ. وَعَوَّلَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ. تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النِّكَاحَ عَلَى الْإِجَارَةِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَيُكْرَهُ أَنْ تُجْعَلَ الْإِجَارَةُ مَهْرًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَالًا كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ". هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا. الرَّابِعَةُ- وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَدَخَلَ وَلَمْ يَنْقُدْ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، هَلْ دَخَلَ حِينَ عَقَدَ أَمْ حِينَ سَافَرَ؟ فَإِنْ كَانَ حِينَ عَقَدَ فَمَاذَا نَقَدَ؟ وَقَدْ مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا مِنَ الدُّخُولِ حَتَّى يَنْقُدَ وَلَوْ رُبُعَ دينار، قال ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ مَضَى، لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: تَعْجِيلُ الصداق أو شي مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّدَاقُ رِعْيَةَ الْغَنَمِ فَقَدْ نَقَدَ الشُّرُوعَ فِي الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ حِينَ سَافَرَ فَطُولُ الِانْتِظَارِ فِي النِّكَاحِ جَائِزٌ إِنْ كَانَ مَدَى الْعُمُرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ. [وَأَمَّا إِنْ كَانَ «١» بِشَرْطٍ] فَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ صَحِيحًا مِثْلَ التَّأَهُّبِ لِلْبِنَاءِ أَوِ انْتِظَارِ صَلَاحِيَّةِ الزَّوْجَةِ لِلدُّخُولِ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ اجْتِمَاعُ إِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- قَالَ فِي ثُمَانِيَّةِ أَبِي زَيْدٍ: يُكْرَهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَ مَضَى. الثَّانِي- قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَشْهُورِ: لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، لِاخْتِلَافِ مَقَاصِدِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُتَبَايِنَةِ. الثَّالِثُ- أَجَازَهُ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الآية، وقد قال مالك النكاح أشبه شي بِالْبُيُوعِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ بَيْنَ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ فَرْعٌ- وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شِعْرٍ مُبَاحٍ صَحَّ، قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَقُولُ الْعَبْدُ فَائِدَتِي وَمَالِي ... وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا
وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شِعْرٍ فِيهِ هَجْوٌ أَوْ فُحْشٌ كَانَ كَمَا لو أصدقها خمرا أو خنزيرا.
(١). الزيادة من" أحكام القرآن لابن العربي (.) (
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute