للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ:" لَمْ تَزِدْهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا وَلَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلَّا مَقْتًا" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَا قَدْرَ لِصَلَاتِهِ، لِغَلَبَةِ الْمَعَاصِي عَلَى صَاحِبِهَا. وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ. أَيْ لِيَنْتَهِ الْمُصَلِّي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. وَالصَّلَاةُ بِنَفْسِهَا لَا تَنْهَى، وَلَكِنَّهَا سَبَبُ الِانْتِهَاءِ. وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ" وَقَوْلُهُ:" أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ". الرابعة- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ لَكُمْ بِالثَّوَابِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ لَهُ فِي عِبَادَتِكُمْ وَصَلَوَاتِكُمْ. قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو قُرَّةَ وَسَلْمَانُ وَالْحَسَنُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في قول الله عَزَّ وَجَلَّ:" وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ" قَالَ:" ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ". وَقِيلَ: ذِكْرُكُمُ اللَّهَ فِي صَلَاتِكُمْ وَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أفضل من كل شي. وَقِيلَ: الْمَعْنَى، إِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ أَكْبَرُ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفَحْشَاءِ والمنكر. وقال الضحاك: ولذكر الله عند ما يُحْرِمُ فَيَتْرُكُ أَجَلَّ الذِّكْرِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَذِكْرُ اللَّهِ لِلنَّهْيِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ أَكْبَرُ أَيْ كبير، وأكبر يَكُونُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ: ولذكر الله أكبر من كل شي أَيْ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا بِغَيْرِ ذِكْرٍ. وَقِيلَ: ذِكْرُ اللَّهِ يَمْنَعُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ لَا يُخَالِفُهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمَعْنَى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَيْ هُوَ الَّذِي يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَالْجُزْءُ الَّذِي مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ذَاكِرٍ اللَّهَ مُرَاقِبٍ لَهُ. وَثَوَابُ

ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا فِي الْحَدِيثِ" مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" وَالْحَرَكَاتُ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي نَهْيٍ، وَالذِّكْرُ النَّافِعُ هُوَ مَعَ الْعِلْمِ وَإِقْبَالِ الْقَلْبِ وَتَفَرُّغِهُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ. وَأَمَّا مَا لَا يَتَجَاوَزُ اللِّسَانَ فَفِي رُتْبَةٍ أُخْرَى. وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ هُوَ إِفَاضَةُ الْهُدَى وَنُورِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ ثَمَرَةٌ لِذِكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ". وَبَاقِي الْآيَةِ ضَرْبٌ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْحَثِّ على المراقبة.