للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْنَ الْأَحِبَّةُ وَالْجِيرَانُ مَا فَعَلُوا ... أَيْنَ الَّذِينَ هُمُو كَانُوا لَهَا سَكَنَا

سَقَاهُمُ الْمَوْتُ كَأْسًا غَيْرَ صَافِيَةٍ ... صَيَّرَهُمْ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى رُهُنَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" لَنُثَوِّيَنَّهُمْ" بِالثَّاءِ مَكَانَ الْبَاءِ مِنَ الثَّوْيِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ، أَيْ لَنُعْطِيَنَّهُمْ غُرَفًا يَثْوُونَ فِيهَا. وَقَرَأَ رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَالْجَحْدَرِيِّ وَالسُّلَمِيِّ" لَيُبَوِّئَنَّهُمْ" بِالْيَاءِ مَكَانَ النُّونِ. الْبَاقُونَ" لَنُبَوِّئَنَّهُمْ" أَيْ لَنُنْزِلَنَّهُمْ." غُرَفاً" جَمْعُ غُرْفَةٍ وَهِيَ الْعَلِيَّةُ الْمُشْرِفَةُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَهْلِ «١» بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ:" بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ" وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا" فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:" هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ" وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ" وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أَسْنَدَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ يزيد بن هرون، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ عَنِ الزُّهْرِيِّ- وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ- عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَ يَلْتَقِطُ مِنَ الثَّمَرِ [ويأكل «٢»] فقال" يا بن عمر مالك لَا تَأْكُلُ" فَقُلْتُ لَا أَشْتَهِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ" لَكِنِّي أَشْتَهِيهِ وَهَذِهِ صَبِيحَةُ رَابِعَةٍ لَمْ أَذُقْ طَعَامًا وَلَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَتِهِمْ وَيَضْعُفُ الْيَقِينُ قَالَ: وَاللَّهُ مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَزَلَتْ:" وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".


(١). هذه رواية أبي سعيد الخدري، كما في صحيح مسلم.
(٢). الزيادة من كتاب" أسباب النزول" للواحدي.