للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ، وَالطَّيَرَانُ فِي الْهَوَاءِ وَالْمَشْيُ عَلَى الْمَاءِ وَرُكُوبُ كَلْبٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ السِّحْرُ مُوجِبًا لِذَلِكَ، وَلَا عِلَّةَ لِوُقُوعِهِ وَلَا سَبَبًا مُوَلَّدًا، وَلَا يَكُونُ السَّاحِرُ مُسْتَقِلًّا بِهِ، وَإِنَّمَا يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَيُحْدِثُهَا عِنْدَ وُجُودِ السِّحْرِ، كَمَا يَخْلُقُ الشيع عِنْدَ الْأَكْلِ، وَالرِّيَّ عِنْدَ شُرْبِ الْمَاءِ. رَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَمَّارٍ الذَّهَبِيِّ أَنَّ سَاحِرًا كَانَ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ يَمْشِي عَلَى الْحَبْلِ، وَيَدْخُلُ فِي اسْتِ الْحِمَارِ وَيَخْرُجُ مِنْ فِيهِ، فَاشْتَمَلَ لَهُ جُنْدُبٌ عَلَى السَّيْفِ فَقَتَلَهُ جُنْدُبُ- هَذَا هُوَ جُنْدُبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَزْدِيُّ وَيُقَالُ الْبَجَلِيُّ- وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي حَقِّهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُنْدُبٌ يَضْرِبُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ). فَكَانُوا يَرَوْنَهُ جُنْدُبًا هَذَا قَاتِلُ السَّاحِرِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: رَوَى عَنْهُ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ. التَّاسِعَةُ- أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّحْرِ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ عِنْدَهُ إِنْزَالَ الْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَفَلْقَ الْبَحْرِ وَقَلْبَ الْعَصَا وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِنْطَاقَ الْعَجْمَاءِ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ آيَاتِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ عِنْدَ إِرَادَةِ السَّاحِرِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ: وَإِنَّمَا مَنَعْنَا ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَاهُ لَأَجَزْنَاهُ. الْعَاشِرَةُ- فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَةِ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: السِّحْرُ يُوجَدُ مِنَ السَّاحِرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يَعْرِفُونَهُ وَيُمْكِنُهُمُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَالْمُعْجِزَةُ لَا يُمَكِّنُ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا وَبِمُعَارَضَتِهَا، ثُمَّ السَّاحِرُ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ فَالَّذِي يَصْدُرُ مِنْهُ مُتَمَيِّزٌ عَنِ الْمُعْجِزَةِ، فَإِنَّ الْمُعْجِزَةَ شَرْطُهَا اقْتِرَانُ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَالتَّحَدِّي بِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ «١». الحادية عشرة- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا سَحَرَ بِنَفْسِهِ بِكَلَامٍ يَكُونُ كُفْرًا يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَسْتَسِرُّ بِهِ كَالزِّنْدِيقِ وَالزَّانِي، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى السِّحْرَ كُفْرًا بِقَوْلِهِ:" وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ" وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ والشافعي


(١). يراجع ج ١ ص ٦٩ وما بعدها طبعه ثانية.