قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: هُوَ جِبْرِيلُ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ بَعْدَ نُزُولِهِ بِالْوَحْيِ. النَّقَّاشُ: هُوَ الْمَلَكُ الَّذِي يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا أَخْبَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ تَصْعَدُ إِلَيْهِ مَعَ حَمَلَتِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ). وَقِيلَ:" ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ" أَيْ يَرْجِعُ ذَلِكَ الْأَمْرُ وَالتَّدْبِيرُ إِلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الدُّنْيَا" فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ" وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَعَلَى الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَالْكِنَايَةُ فِي" يَعْرُجُ" كِنَايَةٌ عَنِ الْمَلَكِ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنَ الْمَعْنَى، وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي" سَأَلَ سَائِلٌ" قَوْلُهُ:" تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ «١» " [المعارج: ٤]. وَالضَّمِيرُ فِي" إِلَيْهِ" يَعُودُ عَلَى السَّمَاءِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُذَكِّرُهَا، أَوْ عَلَى مَكَانِ الْمَلَكِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ، أَوْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَقَرَّهُ فِيهِ، وَإِذَا رَجَعَتْ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ رَجَعَتْ إِلَى السَّمَاءِ، أَيْ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِنَّهُ إِلَيْهَا يَرْتَفِعُ مَا يُصْعَدُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَمِنْهَا يَنْزِلُ مَا يُهْبَطُ بِهِ إِلَيْهَا، ثَبَتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَالْهَاءُ فِي" مِقْدارُهُ" رَاجِعَةٌ إِلَى التَّدْبِيرِ، وَالْمَعْنَى: كَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ التَّدْبِيرِ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا، أَيْ يقضي أمر كل شي لِأَلْفِ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُلْقِيهِ إِلَى مَلَائِكَتِهِ، فَإِذَا مَضَتْ قَضَى لِأَلْفِ سَنَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: الْهَاءُ لِلْعُرُوجِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرُ فَيَحْكُمُ فِيهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يُدَبِّرُ أَمْرَ الشَّمْسِ فِي طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا وَرُجُوعِهَا إِلَى مَوْضِعِهَا مِنَ الطُّلُوعِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ فِي الْمَسَافَةِ أَلْفَ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى كَانَ مِقْدَارُهُ لَوْ سَارَهُ غَيْرُ الْمَلَكِ أَلْفَ سَنَةٍ، لِأَنَّ النُّزُولَ خَمْسُمِائَةٍ وَالصُّعُودَ خَمْسُمِائَةٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. أَيْ أَنَّ جِبْرِيلَ لِسُرْعَةِ سَيْرِهِ يَقْطَعُ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِكُمْ، ذكره الزمخشري. وذكر الماوردي على ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ أَنَّ الْمَلَكَ يَصْعَدُ فِي يَوْمٍ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمَلَكَ يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ فِي يَوْمٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سنة، فيكون مقدار
(١). راجع ج ١٨ ص ٢٧٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute