" وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا" «١» وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَكْمُلْ، وَمَنْ لَمْ يَكْمُلْ لَمْ يَصْلُحْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَمُلَ وَشَرُفَ وَعَظُمَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَعَكَ" الْمَعِيَّةُ هُنَا الِاشْتِرَاكُ فِي الْهِجْرَةِ لَا فِي الصُّحْبَةِ فِيهَا، فَمَنْ هَاجَرَ حَلَّ لَهُ، كَانَ فِي صُحْبَتِهِ إِذْ هَاجَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ. يُقَالُ: دَخَلَ فُلَانٌ مَعِي وَخَرَجَ مَعِي، أَيْ كَانَ عَمَلُهُ كَعَمَلِي وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ فِيهِ عَمَلُكُمَا. وَلَوْ قُلْتَ: خَرَجْنَا مَعًا لَاقْتَضَى ذَلِكَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا: الِاشْتِرَاكَ فِي الْفِعْلِ، وَالِاقْتِرَانَ [فِيهِ]. السَّابِعَةُ- ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَمَّ فَرْدًا وَالْعَمَّاتِ جَمْعًا. وَكَذَلِكَ قال: (خالِكَ)، و (خالاتِكَ) وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْعَمَّ وَالْخَالَ فِي الْإِطْلَاقِ اسْمُ جِنْسٍ كَالشَّاعِرِ وَالرَّاجِزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ. وَهَذَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ فَجَاءَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَانِ لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ وَهَذَا دَقِيقٌ فَتَأَمَّلُوهُ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) عَطْفٌ عَلَى" أَحْلَلْنا". الْمَعْنَى وَأَحْلَلْنَا لك امْرَأَةٍ تَهَبُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ تَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ إِلَّا بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ. فَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ أَحَدٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: كَانَتْ عِنْدَهُ مَوْهُوبَةٌ. قُلْتُ: وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ يُقَوِّي هَذَا الْقَوْلَ وَيَعْضُدُهُ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُولُ: أَمَا تَسْتَحِي امْرَأَةٌ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ! حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى" تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ" [الأحزاب: ٥١] فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ غَيْرَ وَاحِدَةٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ الْمُوهِبَاتُ أَرْبَعٌ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ الْأَنْصَارِيَّةُ، وَأُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ جَابِرٍ، وخولة بنت حكيم.
(١). راجع ج ٨ ص ٥٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute