للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ: سَبَبَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ امْرَأَةَ زَيْدٍ «١» أَوْلَمَ عَلَيْهَا، فَدَعَا النَّاسَ، فَلَمَّا طَعِمُوا جَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةً وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ، فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا أَدْرِي أَأَنَا أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِي. قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ فَأَلْقَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَنَزَلَ الْحِجَابُ. قَالَ: وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ"- إِلَى قَوْلِهِ-" إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً" أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ فِي كِتَابِ الثَّعْلَبِيِّ: إِنَّ هَذَا السَّبَبَ جَرَى فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَتَحَيَّنُونَ طَعَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُلُونَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الطَّعَامَ، فَيَقْعُدُونَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ: وَهَذَا أَدَبٌ أَدَّبَ اللَّهُ بِهِ الثُّقَلَاءَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الثَّعْلَبِيِّ: حَسْبُكَ مِنَ الثُّقَلَاءِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحْتَمِلْهُمْ. وَأَمَّا قِصَّةُ الْحِجَابِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٌ: سَبَبُهَا أَمْرُ الْقُعُودِ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ، الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَجَمَاعَةٌ: سَبَبُهَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَرَوَى الصَّحِيحُ عَنِ ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ. هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي أَمْرِ الْحِجَابِ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ فواهية، لا يقوم شي مِنْهَا عَلَى سَاقٍ، وَأَضْعَفُهَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ بنت جحش: يا ابن الْخَطَّابِ، إِنَّكَ تَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِنَا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ" وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْحِجَابَ نَزَلَ يَوْمَ الْبِنَاءِ بِزَيْنَبَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطْعَمُ ومعه بعض


(١). أي التي كانت امرأة زيد ثم طلقها وانقضت عدتها منه.