سَكَنٌ حَيَاتَهُنَّ، فَلَمَّا تُوُفِّينَ جُعِلَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ نَفْعُهُ، كَمَا جُعِلَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ لَهُنَّ مِنَ النَّفَقَاتِ فِي تَرِكَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَضَيْنَ لِسَبِيلِهِنَّ، فَزِيدَ إِلَى أَصْلِ الْمَالِ فَصُرِفَ فِي مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ نَفْعُهُ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ" أَيْ غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ وَقْتَ نُضْجِهِ. وَ" إِناهُ" مَقْصُورٌ، وَفِيهِ لُغَاتٌ:" إِنَى" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ:
وَكِسْرَى إِذْ تَقَسَّمَهُ بَنُوهُ ... بِأَسْيَافٍ كَمَا اقْتُسِمَ اللِّحَامُ
تَمَخَّضَتِ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ ... أَنَى «١» وَلِكُلِ حَامِلَةٍ تَمَامُ
وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ:" غَيْرِ نَاظِرِينَ إِنَاهُ". مَجْرُورًا صِفَةً لِ"- طَعامٍ". الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ، لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ، فَمِنْ حَقِّ ضَمِيرِ مَا هُوَ لَهُ أَنْ يَبْرُزَ إِلَى اللَّفْظِ، فَيُقَالُ: غَيْرُ نَاظِرِينَ، إِنَاهُ أَنْتُمْ، كَقَوْلِكَ: هِنْدٌ زَيْدٌ ضَارِبَتُهُ هِيَ. وَأَنَى (بِفَتْحِهَا)، وَأَنَاءَ (بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمَدُّ) قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
وَأَخَّرْتُ الْعَشَاءَ إِلَى سُهَيْلٍ ... أَوِ الشِّعْرَى فَطَالَ بِيَ الْأَنَاءُ
يَعْنِي إِلَى طُلُوعِ سُهَيْلٍ. وَإِنَاهُ مَصْدَرُ أَنَى الشَّيْءَ يَأْنِي إِذَا فَرَغَ وَحَانَ وَأَدْرَكَ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) فَأَكَّدَ الْمَنْعَ، وَخَصَّ وَقْتَ الدُّخُولِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِذْنِ عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ، وَحِفْظِ الْحَضْرَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ الْمُبَاسَطَةِ الْمَكْرُوهَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ وَأُذِنَ لَكُمْ فِي الدُّخُولِ فَادْخُلُوا، وَإِلَّا فَنَفْسُ الدَّعْوَةِ لَا تَكُونُ إِذْنًا كَافِيًا فِي الدُّخُولِ. وَالْفَاءُ فِي جَوَابِ" إِذا" لَازِمَةٌ لِمَا فِيهَا من معنى المجازاة. الخامسة- قوله تعالى: (فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) أَمَرَ تَعَالَى بَعْدَ الْإِطْعَامِ بِأَنْ يَتَفَرَّقَ جَمِيعُهُمْ وَيَنْتَشِرُوا. وَالْمُرَادُ إِلْزَامُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْأَكْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الدُّخُولَ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ الْأَكْلِ، فَإِذَا انْقَضَى الْأَكْلُ زَالَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ وَعَادَ التحريم إلى أصله.
(١). (أنى) هنا فعل ماض بمعنى أدرك وبلغ كما في اللسان وشرح القاموس.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute