للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تِلْقَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِدُوهُ فِي كِتَابٍ وَلَا أُمِرُوا بِهِ، وَلَفْظَةُ الْحَسَدِ تُعْطِي هَذَا. فَجَاءَ (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ" تَأْكِيدًا وَإِلْزَامًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ «١» "،" يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ"،" وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «٢» ". وَالْآيَةُ فِي الْيَهُودِ. الثَّانِيَةُ- الْحَسَدُ نَوْعَانِ: مَذْمُومٌ وَمَحْمُودٌ، فَالْمَذْمُومُ أَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ، وَسَوَاءٌ تَمَنَّيْتَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَعُودَ إِلَيْكَ أَوْ لَا، وَهَذَا النَّوْعُ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ:" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «٣» " وَإِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا لِأَنَّ فِيهِ تَسْفِيهٌ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ، وَأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ. وَأَمَّا الْمَحْمُودُ فَهُوَ مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَيْنِ رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ (. وَهَذَا الْحَسَدُ مَعْنَاهُ الْغِبْطَةُ. وَكَذَلِكَ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ" بَابَ الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ". وَحَقِيقَتُهَا: أَنْ تَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَكَ مَا لِأَخِيكَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ وَلَا يَزُولُ عَنْهُ خَيْرُهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى هَذَا مُنَافَسَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ «٤» "." مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ" أَيْ من بعد ما تبين لهم الْحَقُّ لَهُمْ وَهُوَ مُحَمَّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَ بِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى-" فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا" فيه مسألتان: الاولى- قوله تعالى:" فَاعْفُوا" وَالْأَصْلُ اعْفُوُوا حُذِفَتِ الضَّمَّةُ لِثِقَلِهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَالْعَفْوُ: تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ. وَالصَّفْحُ: إِزَالَةُ أَثَرِهِ مِنَ النَّفْسِ. صَفَحْتُ عَنْ فُلَانٍ إِذَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذَنْبِهِ. وَقَدْ ضَرَبْتُ عَنْهُ صَفْحًا إِذَا أَعْرَضْتُ عَنْهُ وَتَرَكْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً «٥» ". الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ:" قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ" إِلَى قَوْلِهِ:" صاغِرُونَ «٦» " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: النَّاسِخُ لَهَا" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ «٧» ". قَالَ أبو عبيدة:


(١). راجع ج ٤ ص ٢٦٧.
(٢). ج ٦ ص ٤١٩.
(٣). ج ٥ ص ٢٥١.
(٤). ج ١٩ ص ٢٦٤.
(٥). ج ١٦ ص ٦٢.
(٦). ج ٨ ص ١٠٩.
(٧). ج ٨ ص ٧٢.