للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُودٌ غَرَابِيبُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلشَّدِيدِ السَّوَادِ الَّذِي لَوْنُهُ كَلَوْنِ الْغُرَابِ: أَسْوَدُ غِرْبِيبٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقُولُ هَذَا أَسْوَدُ غِرْبِيبٌ، أَيْ شَدِيدُ السَّوَادِ. وَإِذَا قُلْتَ: غَرَابِيبُ سُودٌ، تَجْعَلُ السُّودَ بَدَلًا مِنْ غَرَابِيبَ لِأَنَّ تَوْكِيدَ الْأَلْوَانِ لَا يَتَقَدَّمُ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الشَّيْخَ الْغِرْبِيبَ) يَعْنِي الَّذِي يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

الْعَيْنُ طَامِحَةٌ وَالْيَدُ سَابِحَةٌ ... وَالرِّجْلُ لَافِحَةٌ وَالْوَجْهُ غِرْبِيبُ «١»

وَقَالَ آخَرُ يَصِفُ كَرْمًا:

وَمِنْ تَعَاجِيبِ خَلْقِ اللَّهِ غَاطِيَةٌ ... يُعْصَرُ مِنْهَا مُلَاحِيٌّ وَغِرْبِيبُ «٢»

(كَذلِكَ) هُنَا تَمَامُ الْكَلَامِ، أَيْ كَذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ العباد في الخشية، ثم استأنف فقال: (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) يَعْنِي بِالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَخَافُونَ قُدْرَتَهُ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدِيرٌ أَيْقَنَ بِمُعَاقَبَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ" قَالَ: الَّذِينَ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ على كل شي قَدِيرٌ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: مَنْ لَمْ يَخْشَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَيْسَ بِعَالِمٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى علما وبالاغترار جهلا. وقيل لسعد ابن إِبْرَاهِيمَ: مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ أَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّمَا الْفَقِيهُ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الْفَقِيهَ حق الفقيه من لم يقنط


(١). هذه رواية الأصول. والبيت كما ورد في ديوانه طبع مطبعة الاستقامة:
واليد سابحة والرجل ضارحة ... والعين قادحة والمتن سلحوب

والماء منهمر والشد منحدر ... والقصب مضطمر واللون غربيب
قوله (سابحة) يعنى إذا جرى فرسه مد يديه فكأنه سابح في الماء. وضرحت الدابة برجلها: رمحت. وقدحت العين: غارت. والمتن: الظهر. وقوله (سلحوب) بالسين وفسر بأنه أملس قليل اللحم. وهذا التفسير لم نجده لهذه الكلمة في المظان التي بين أيدينا. والرواية فيه (ملحوب) بالميم. ولحب متن الفرس وعجزه: املاس في حدور. ومتن لحوب. و (والشد) العدو. و (القصب) بالضم: الخصر. و (مضطمر) ضامر.
(٢). الغاطية: الشجرة التي طالت أغصانها وانبسطت على الأرض. و (ملاحى): أبيض.