للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى" مِنْ مِثْلِهِ" لِلْإِبِلِ، خَلَقَهَا لَهُمْ لِلرُّكُوبِ فِي الْبَرِّ مِثْلَ السُّفُنِ الْمَرْكُوبَةِ فِي الْبَحْرِ، وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُ الْإِبِلَ بِالسُّفُنِ. قَالَ طَرَفَةُ:

كَأَنَّ حُدُوجَ الْمَالِكِيَّةِ غدوة ... وخلايا سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ «١»

جَمْعُ خَلِيَّةٍ وَهِيَ السَّفِينَةُ الْعَظِيمَةُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لِلْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَكُلِّ مَا يُرْكَبُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لِلسُّفُنِ، النَّحَّاسُ: وَهُوَ أَصَحُّهَا لِأَنَّهُ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ." وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ" قَالَ: خَلَقَ لَهُمْ سُفُنًا أَمْثَالَهَا يَرْكَبُونَ فِيهَا. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: إِنَّهَا السُّفُنُ الصِّغَارُ خَلَقَهَا مِثْلَ السُّفُنِ الْكِبَارِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: هِيَ السُّفُنُ الْمُتَّخَذَةُ بَعْدَ سَفِينَةِ نُوحٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجِيءُ عَلَى مُقْتَضَى تَأْوِيلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَنَّ الذُّرِّيَّةَ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ هِيَ النُّطَفُ فِي بُطُونِ النِّسَاءِ قَوْلٌ خَامِسٌ فِي قَوْلِهِ:" وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ" أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ النِّسَاءُ خُلِقْنَ لِرُكُوبِ الْأَزْوَاجِ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَحْكِيًّا. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ" أَيْ فِي الْبَحْرِ فَتَرْجِعُ الْكِنَايَةُ إِلَى أَصْحَابِ الذُّرِّيَّةِ، أَوْ إِلَى الْجَمِيعِ، وَهَذَا يدل على صحت قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ" مِنْ مِثْلِهِ" السُّفُنُ لَا الْإِبِلُ." فَلا صَرِيخَ لَهُمْ" أَيْ لَا مُغِيثَ لَهُمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ. وَرَوَى شَيْبَانُ عَنْهُ فَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبَانِ. وَ" صَرِيخَ" بِمَعْنَى مُصْرِخٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَيَجُوزُ" فَلَا صَرِيخٌ لَهُمْ"، لِأَنَّ بَعْدَهُ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الرَّفْعُ، لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَهُوَ" وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ" وَالنَّحْوِيُّونَ يَخْتَارُونَ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ وَلَا زيد. وَمَعْنَى:" يُنْقَذُونَ" يُخَلَّصُونَ مِنَ الْغَرَقِ. وَقِيلَ: مِنَ العذاب." إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا" قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نَصْبُ مَفْعُولٍ مِنْ أَجَلِهِ، أَيْ لِلرَّحْمَةِ" وَمَتاعاً" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ." إِلى حِينٍ" إِلَى الْمَوْتِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: إِلَى الْقِيَامَةِ أَيْ إِلَّا أَنْ نَرْحَمَهُمْ وَنُمَتِّعَهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ عَجَّلَ عَذَابَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَأَخَّرَ عَذَابَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وان كذبوه إلى الموت والقيامة.


(١). الحدوج حدج وهو مركب من مراكب النساء. والمالكية منسوبة إلى مالك بن سعد بن ضبيعة. والتواصف جمع نا صفة وهى الرحبة الواسعة تكون في الوادي. ودد موضع.