مَا فِي الْمَرْخِ وَالْعَفَارِ، وَهِيَ زُنَادَةُ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ وَاسْتَمْجَدَ المر وَالْعَفَارُ «١»، فَالْعَفَارُ الزَّنْدُ وَهُوَ الْأَعْلَى، وَالْمَرْخُ الزَّنْدَةُ وَهِيَ الْأَسْفَلُ، يُؤْخَذُ مِنْهُمَا غُصْنَانِ مِثْلَ الْمِسْوَاكَيْنِ يَقْطُرَانِ مَاءً فَيَحُكُّ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ فَتَخْرُجُ مِنْهُمَا النَّارُ. وَقَالَ:" مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ" وَلَمْ يَقُلِ الْخَضْرَاءَ وَهُوَ جَمْعٌ، لِأَنَّ رَدَّهُ إِلَى اللَّفْظِ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: الشَّجَرُ الْخَضْرَاءُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ" [الواقعة: ٥٣ - ٥٢]. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُحْتَجًّا:" أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ" أَيْ أَمْثَالَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ. وَقَرَأَ سَلَامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ:" يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مثلهم" على أنه فعل." بلى" أي إن خلق السموات والأرض أعظم من خلقهم، فالذي خلق السموات وَالْأَرْضَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُمْ." وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ" وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ" الْخَالِقُ". قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" قَرَأَ الْكِسَائِيُّ" فَيَكُونَ" بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى" يَقُولَ" أَيْ إِذَا أَرَادَ خلق شي لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعَبٍ وَمُعَالَجَةٍ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ." فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ" نَزَّهَ نَفْسَهُ تَعَالَى عَنِ الْعَجْزِ وَالشِّرْكِ وَمَلَكُوتُ وَمَلَكُوتِي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى مُلْكٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: جَبَرُوتِي خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتِي. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ:" مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ" مفاتح كل شي. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَالْأَعْمَشُ" مَلَكَةُ"، وَهُوَ بِمَعْنَى مَلَكُوتٍ إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُصْحَفِ." وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" أَيْ تُرَدُّونَ وَتَصِيرُونَ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَأَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ" يرجعون" بالياء على الخبر.
(١). استمجد المرخ والعفار: أي استكثرا وأخذا من النار ما هو حسبهما. وهو مثل يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute