للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُمْ رَأَوْا مَخَائِلَ الْعَذَابِ فَتَابُوا. وَهَذَا لَا يَمْنَعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي سُورَةِ" يُونُسَ" «١» فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَوْ يَزِيدُونَ" قَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" «٢» مَحَامِلُ" أَوْ" فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً". وقال الْفَرَّاءُ:" أَوْ" بِمَعْنَى بَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَلَمَّا اشْتَدَّ أَمْرُ الْحَرْبِ فِينَا ... وَتَأَمَّلْنَا رِيَاحًا أَوْ رِزَامَا

أَيْ وَرِزَامًا. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ". وَقَرَأَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ" إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ وَيَزِيدُونَ" بِغَيْرِ هَمْزٍ فَ" يَزِيدُونَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُمْ يَزِيدُونَ. النَّحَّاسُ: وَلَا يَصِحُّ هَذَانَ الْقَوْلَانِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَنْكَرُوا كَوْنَ" أَوْ" بِمَعْنَى بَلْ وَبِمَعْنَى الْوَاوِ، لِأَنَّ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنِ الْأَوَّلِ وَالْإِيجَابِ لِمَا بَعْدَهُ وَتَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ خُرُوجٍ مِنْ شي الى شي وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ، وَالْوَاوُ مَعْنَاهُ خِلَافُ مَعْنَى" أَوْ" فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ لَبَطَلَتِ الْمَعَانِي، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ أَخْصَرَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الْمَعْنَى وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى جَمَاعَةٍ لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ لَقُلْتُمْ هُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَإِنَّمَا خوطب العباد على يا يَعْرِفُونَ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَا تَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ أو عمر وَأَنْتَ تَعْرِفُ مَنْ جَاءَكَ مِنْهُمَا إِلَّا أَنَّكَ أَبْهَمْتَ عَلَى الْمُخَاطَبِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَالزَّجَّاجُ: أَيْ أَوْ يَزِيدُونَ فِي تَقْدِيرِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَادُوا عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ عِشْرِينَ أَلْفًا. وَرَوَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مَرْفُوعًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: ثَلَاثِينَ أَلْفًا. الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ: بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: سَبْعِينَ أَلْفًا." فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ" أَيْ إِلَى مُنْتَهَى آجالهم.


(١). راجع ج ٨ ص ٣٨٤ طبعه أولى أو ثانيه.
(٢). راجع ج ١ ص ٤٦٣ وما بعدها طبعه ثانيه أو ثالثه.