للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِيَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ ذَرٍّ: قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْقَدَرُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَلَّا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ وَهُوَ رَأْسُ الْخَطِيئَةِ، وَإِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِلْمًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عرفه من عرفه، وجهل مَنْ جَهِلَهُ، ثُمَّ قَرَأَ:" فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ." مَا" أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ" إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصْلَى الْجَحِيمَ. وَقَالَ: فَصَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهَا مِنَ الْمَعَانِي أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَصِلُونَ إِلَى إِضْلَالِ أَحَدٍ إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَهْتَدِي، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ يَهْتَدِي لَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ" [الإسراء: ٦٤] أي لست تصل منهم إلى شي إِلَّا إِلَى مَا فِي عِلْمِي. وَقَالَ لَبِيَدُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي تَثْبِيتِ الْقَدَرِ فَأَحْسَنَ:

إِنَّ تقوى ربنا خير نفل ... ووبإذن اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ

أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ له ... وبيد يه الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ

مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الخير اهتدى ... وناعم الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ

قَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ فَتَنْتُ الرَّجُلَ، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ أَفْتَنْتُهُ. الثَّالِثَةُ- رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ:" إلا من صَالُ الْجَحِيمِ" بِضَمِّ اللَّامِ. النَّحَّاسُ: وَجَمَاعَةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَحْنٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا قَاضُ الْمَدِينَةِ. وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فيه مَا سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ، قَالَ: هو محمول عل الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى." مَنْ" جَمَاعَةٌ، فَالتَّقْدِيرُ صَالُونَ، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ، وَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ فَاعِلٌ إِلَّا أَنَّهُ قُلِبَ مِنْ صال إلى صائل وَحُذِفَتِ الْيَاءُ وَبَقِيَتِ اللَّامُ مَضْمُومَةً فَهُوَ مِثْلُ" شَفا جُرُفٍ هارٍ" [التوبة: ١٠٩]. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنْ تَحْذِفَ لَامَ" صَالِ" تَخْفِيفًا وَتُجْرِيَ الْإِعْرَابَ عَلَى عَيْنِهِ، كَمَا حُذِفَ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا بَالَيْتُ بِهِ بَالَةً. وَأَصْلُهَا بَالِيَةٌ مِنْ بَالِي كَعَافِيَةٍ مِنْ عَافِي، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةِ من قرأ،" وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ" [الرحمن: ٥٤]،" وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ" [الرحمن: ٢٤] أجرى الإعراب على العين. والأصل ني قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ صَالِي بِالْيَاءِ فَحَذَفَهَا الْكَاتِبُ مِنَ الخط لسقوطها في اللفظ.