للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ فَإِنِ ادَّعَوْا ذَلِكَ" فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ" أي فليصعدوا إلى السموات، وَلْيَمْنَعُوا الْمَلَائِكَةَ مِنْ إِنْزَالِ الْوَحْيِ عَلَى مُحَمَّدٍ. يُقَالُ: رَقِيَ يَرْقَى وَارْتَقَى إِذَا صَعِدَ. وَرَقَى يَرْقِي رَقْيًا مِثْلَ رَمَى يَرْمِي رَمْيًا مِنَ الرُّقْيَةِ. قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْأَسْبَابُ أَرَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَأَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ وَلَكِنْ لَا تُرَى. وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا يُوصَلُ بِهِ إِلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. وقيل: الأسباب أبواب السموات الَّتِي تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ مِنْهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. قَالَ زُهَيْرٌ:

وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ «١»

وقيل: الأسباب السموات نَفْسُهَا، أَيْ فَلْيَصْعَدُوا سَمَاءً سَمَاءً. وَقَالَ السُّدِّيُّ:" فِي الْأَسْبابِ" فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ. وَقِيلَ: أَيْ فَلْيُعْلُوا فِي أَسْبَابِ الْقُوَّةِ إِنْ ظَنُّوا أَنَّهَا مَانِعَةٌ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي

عُبَيْدَةَ. وَقِيلَ: الْأَسْبَابُ الْحِبَالُ، يَعْنِي إِنْ وَجَدُوا حَبْلًا أَوْ سَبَبًا يَصْعَدُونَ فِيهِ إِلَى السَّمَاءِ فَلْيَرْتَقُوا، وَهَذَا أمر توبيخ وتعجيز. وعد نبيه صلى النَّصْرَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:" جُنْدٌ مَا هُنالِكَ"" مَا" صِلَةٌ وَتَقْدِيرُهُ هُمْ جُنْدٌ، فَ" جُنْدٌ" خَبَرُ ابتدا مَحْذُوفٍ." مَهْزُومٌ" أَيْ مَقْمُوعٌ ذَلِيلٌ قَدِ انْقَطَعَتْ حُجَّتُهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى أَنْ يَقُولُوا هذا لنا. ويقال: هزمت الْقِرْبَةُ إِذَا انْكَسَرَتْ، وَهَزَمْتُ الْجَيْشَ كَسَرْتُهُ. وَالْكَلَامُ مُرْتَبِطٌ بِمَا قَبْلَ، أَيْ" بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ" وَهُمْ جُنْدٌ مِنَ الْأَحْزَابِ مَهْزُومُونَ، فَلَا تَغُمَّكَ عِزَّتُهُمْ وَشِقَاقُهُمْ، فَإِنِّي أَهْزِمُ جَمْعَهُمْ وَأَسْلُبُ عِزَّهُمْ. وَهَذَا تَأْنِيسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ فَعَلَ بِهِمْ هَذَا فِي يَوْمِ بَدْرٍ. قَالَ قَتَادَةُ: وَعَدَ اللَّهُ أنه سيهزمهم وهم بما فَجَاءَ تَأْوِيلُهَا يَوْمَ بَدْرٍ. وَ" هُنالِكَ" إِشَارَةٌ لِبَدْرٍ وَهُوَ مَوْضِعُ تَحَزُّبِهِمْ لِقِتَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَحْزَابِ الَّذِينَ أتوا المدينة وتحزبوا على النبي صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي" الْأَحْزَابِ" «٢». وَالْأَحْزَابُ الْجُنْدُ، كَمَا يُقَالُ: جُنْدٌ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَحْزَابِ الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ مِنَ الْكُفَّارِ. أَيْ هَؤُلَاءِ جُنْدٌ عَلَى طَرِيقَةِ أُولَئِكَ، كقوله


(١). صدر البيت:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه

(٢). راجع ج ١٤ ص ١٢٨ وما تعدها طبعه أو ثانية.