حَكَمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُؤْنِسُنِي عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ عِنْدِي صَحِيحٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. التَّاسِعَةُ- قَالَ النَّحَّاسُ: وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ" إِنَّ هَذَا أَخِي كَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نعجة أنثى" و" كان" هنا مثل قول عز وجل:" وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" [النساء: ٩٦] فَأَمَّا قَوْلُهُ" أُنْثَى" فَهُوَ تَأْكِيدٌ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ رَجُلٌ ذَكَرٌ وَهُوَ تَأْكِيدٌ. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ يُقَالُ هَذِهِ مِائَةُ نَعْجَةٍ، وَإِنْ كَانَ فيها من الذكور شي يَسِيرٌ، جَازَ أَنْ يُقَالَ: أُنْثَى لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا ذَكَرَ فِيهَا. وَفِي التَّفْسِيرِ: لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنْ كَانَ جَمِيعُهُنَّ أَحْرَارًا فَذَلِكَ شَرْعُهُ، وَإِنْ كُنَّ إِمَاءً فَذَلِكَ شَرْعُنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ شَرْعَ مَنْ تَقَدَّمَ قَبْلنَا لَمْ يَكُنْ مَحْصُورًا بِعَدَدٍ، وَإِنَّمَا الْحَصْرُ فِي شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِضَعْفِ الْأَبَدَانِ وَقِلَّةِ الْأَعْمَارِ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا الْعَدَدُ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ ضَرْبُ مَثَلٍ، كَمَا تَقُولُ: لَوْ جِئْتَنِي مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ أَقْضِ حَاجَتَكَ، أَيْ مِرَارًا كَثِيرَةً. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لَمْ يَكُنْ لِدَاوُدَ مِائَةُ امْرَأَةٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ مَثَلًا، الْمَعْنَى: هَذَا غَنِيٌّ عَنِ الزَّوْجَةِ وَأَنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهَا. وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ، وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلنَا كَانَ مَقْصُورًا مِنَ النِّسَاءِ عَلَى مَا فِي شَرْعِنَا. الثَّانِي: أَنَّهُ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ:" لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِدُ كُلُّ أَمْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَسِيَ أَنْ يَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" وَهَذَا نَصٌّ الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ" أي امرأة واحدة" فقال أكفلينها" أَيِ انْزِلْ لِي عَنْهَا حَتَّى أَكْفُلَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْطِنِيهَا. وَعَنْهُ: تَحَوَّلْ لِي عَنْهَا. وقاله ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: ضُمَّهَا إِلَيَّ حَتَّى أَكْفُلَهَا. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: اجْعَلْهَا كِفْلِي وَنَصِيبِي." وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ" أَيْ غَلَبَنِي. قَالَ الضَّحَّاكُ: إِنْ تَكَلَّمَ كَانَ أَفْصَحَ مِنِّي، وَإِنْ حَارَبَ كَانَ أَبْطَشَ مِنِّي. يُقَالُ: عَزَّهُ يَعُزُّهُ" بِضَمِّ الْعَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ" عَزًّا غَلَبَهُ. وَفِي المثل: من عزيز، أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ. وَالِاسْمُ الْعِزَّةُ وَهِيَ الْقُوَّةُ وَالْغَلَبَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ
قَطَاةٌ عَزَّهَا شَرَكٌ فباتت ... وتجاذبه وَقَدْ عَلِقَ الْجَنَاحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute