للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ، وَقَالَ عَلَى سَبِيلِ التَّلَهُّفِ:" إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي" أَيْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَأَمَرَ بِرَدِّ الْأَفْرَاسِ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ عَرَاقِيبِهَا وَأَعْنَاقِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعَاقَبَةً لِلْأَفْرَاسِ، إِذْ ذَبْحُ الْبَهَائِمِ جَائِزٌ إِذَا كَانَتْ مَأْكُولَةً، بَلْ عَاقَبَ نَفْسَهُ حَتَّى لَا تَشْغَلَهُ الْخَيْلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الصَّلَاةِ. وَلَعَلَّهُ عَرْقَبَهَا لِيَذْبَحَهَا فَحَبَسَهَا بِالْعَرْقَبَةِ عَنِ النِّفَارِ، ثُمَّ ذَبَحَهَا فِي الْحَالِ، لِيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعِهِ فَأَتْلَفَهَا لَمَّا شَغَلَتْهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يَقْطَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَشْغَلُهُ عَنِ اللَّهِ، فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَذَا، وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَثَابَهُ بِأَنْ سَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ، فَكَانَ يَقْطَعُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَسَافَةِ فِي يَوْمٍ مَا يَقْطَعُ مِثْلُهُ عَلَى الْخَيْلِ فِي شَهْرَيْنِ غُدُوًّا وَرَوَاحًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ:" رُدُّوها عَلَيَّ" لِلشَّمْسِ لَا لِلْخَيْلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: مَا بَلَغَكَ فِيهَا؟ فَقُلْتُ سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا اشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ حَتَّى تَوَارَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، قَالَ:" إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي" أَيْ آثَرْتُ" حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي" الْآيَةَ" رُدُّوها عَلَيَّ" يَعْنِي الْأَفْرَاسَ وَكَانَتْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَضَرَبَ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا بِالسَّيْفِ، وَأَنَّ اللَّهَ سَلَبَهُ مُلْكَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ ظَلَمَ الْخَيْلَ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: كَذَبَ كَعْبٌ لَكِنَّ سُلَيْمَانُ اشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ لِلْجِهَادِ حَتَّى تَوَارَتْ أَيْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ فَقَالَ بِأَمْرِ اللَّهِ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالشَّمْسِ:" رُدُّوها" يَعْنِي الشَّمْسَ فَرَدُّوهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا، وَأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ لَا يَظْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ. قُلْتُ: الْأَكْثَرُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الَّتِي تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ هِيَ الشَّمْسُ، وَتَرَكَهَا لِدَلَالَةِ السَّامِعِ عليها بما ذكر مما يرتبط بها ومتعلق بِذِكْرِهَا، حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَكَثِيرًا مَا يُضْمِرُونَ الشَّمْسَ، قَالَ لَبِيَدٌ

حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يدا في كافر ... ووأجن عورات الثغور ظلامها

الهاء فِي" رُدُّوها" لِلْخَيْلِ، وَمَسْحُهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ كَيْسَانَ: كَانَ يَمْسَحُ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا، وَيَكْشِفُ الْغُبَارَ عَنْهَا حُبًّا لَهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَحُ فَرَسَهُ بِرِدَائِهِ. وَقَالَ:" إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ"