للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِغَيْرِ يَاءٍ. وَقَرَأَهَا يَعْقُوبُ وَابْنُ كَثِيرٍ بِالْإِثْبَاتِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَحَذَفَهَا أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ فِي الْوَقْفِ وَأَثْبَتُوهَا فِي الْوَصْلِ، إِلَّا وَرْشًا حَذَفَهَا فِي الْحَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْبَاقُونَ، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ يَاءٍ وَمَنْ أَثْبَتَهَا فَعَلَى الأصل. قوله تعالى:" يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ" أَيْ يُتَمَتَّعُ بِهَا قَلِيلًا ثُمَّ تَنْقَطِعُ وَتَزُولُ." وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ" أَيِ الِاسْتِقْرَارُ وَالْخُلُودُ. وَمُرَادُهُ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْنَيَانِ. بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:" مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً" يَعْنِي الشِّرْكَ" فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها" وَهُوَ العذاب." وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ." وَهُوَ مُؤْمِنٌ" مُصَدِّقٌ بِقَلْبِهِ لِلَّهِ وَلِلْأَنْبِيَاءِ." فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ" بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَأَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ" يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ" الْبَاقُونَ" يَدْخُلُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ" أَيْ إِلَى طَرِيقِ الْإِيمَانِ الْمُوَصِّلِ إِلَى الْجِنَانِ" وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ" بَيَّنَ أَنَّ مَا قَالَ فِرْعَوْنُ مِنْ قَوْلِهِ:" وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ" [غافر: ٢٩] سَبِيلُ الْغَيِّ عَاقِبَتُهُ النَّارُ وَكَانُوا دَعَوْهُ إِلَى اتِّبَاعِهِ، وَلِهَذَا قَالَ:" تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ" وَهُوَ فِرْعَوْنُ" وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ"." لَا جَرَمَ" تقدم الكلام فيه «١» ومعناه حقا." أن ما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ"" مَا" بِمَعْنَى الَّذِي" لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ" قَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسَ لَهُ اسْتِجَابَةُ دَعْوَةٍ تَنْفَعُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ تُوجِبُ لَهُ الْأُلُوهِيَّةَ" فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ". وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَيْسَ لَهُ شَفَاعَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. وَكَانَ فِرْعَوْنُ أَوَّلًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْبَقَرِ، فَكَانَتْ تُعْبَدُ مَا كَانَتْ شَابَّةً، فَإِذَا هَرِمَتْ أَمَرَ بِذَبْحِهَا، ثُمَّ دَعَا بِأُخْرَى لِتُعْبَدَ، ثُمَّ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الزَّمَانُ قَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى." وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ" قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: هُمُ السُّفَهَاءُ وَالسَّفَّاكُونَ لِلدِّمَاءِ بغير حقها. وقال عكرمة: الجبارون


(١). راجع ج ٩ ص ٢٠ طبعه أولى أو ثانيه.