عَذَابِ الْقَبْرِ بِقَوْلِهِ:" النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا" مَا دَامَتِ الدُّنْيَا. كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ كُلُّهُمْ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الدُّنْيَا، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ عَنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ:" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ". وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَرْوَاحَ آلِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ تُعْرَضُ عَلَى النَّارِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَيُقَالُ هَذِهِ دَارُكُمْ. وَعَنْهُ أَيْضًا: إِنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ سُودٍ تَغْدُو عَلَى جَهَنَّمَ وَتَرُوحُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَذَلِكَ عَرْضُهَا. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ «١» يَقُولُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا أَصْبَحَ يُنَادِي: أَصْبَحْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ. فَإِذَا أَمْسَى نَادَى: أَمْسَيْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ، فَلَا يَسْمَعُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحَدٌ إِلَّا تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. وَفِي حَدِيثِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَى النَّارِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ثُمَّ تَلَا:" النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا" وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ عُرِضَ رُوحُهُ عَلَى الْجَنَّةِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ" وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي الغداة والعشي بمقادير دلك فِي الدُّنْيَا. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. قَالَ:" غُدُوًّا وَعَشِيًّا" قَالَ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ: قَالَ رَجُلٌ لِلْأَوْزَاعِيِّ رَأَيْنَا طُيُورًا تَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ تَأْخُذُ نَاحِيَةَ الْغَرْبِ، بِيضًا صِغَارًا فَوْجًا فَوْجًا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا كَانَ الْعِشَاءَ رَجَعَتْ مِثْلَهَا سُودًا. قَالَ: تِلْكَ الطُّيُورُ فِي حَوَاصِلِهَا أَرْوَاحُ آلِ فِرْعَوْنَ، يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، فَتَرْجِعُ إِلَى أَوْكَارِهَا وَقَدِ احْتَرَقَتْ رِيَاشُهَا وَصَارَتْ سُودًا، فَيَنْبُتُ عَلَيْهَا مِنَ اللَّيْلِ رِيَاشُهَا بِيضًا وَتَتَنَاثَرُ السُّودُ، ثُمَّ تَغْدُو فَتُعْرَضُ عَلَى النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى وَكْرِهَا فَذَلِكَ دَأْبُهَا مَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ" وَهُوَ الْهَاوِيَةُ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فبلغنا أنهم
(١). في نسخ الأصل ميمون بن ميسرة وهو تحريف، والتصويب عن" التهذيب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute