وَالْأَشْجَارِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الصِّحَاحِ: الْآفَاقُ النَّوَاحِي، وَاحِدُهَا أُفْقٌ وَأُفُقٌ مِثْلَ عُسْرٍ وَعُسُرٍ، وَرَجُلٌ أَفَقِيٌّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ: إِذَا كَانَ مِنْ آفَاقِ الْأَرْضِ. حَكَاهُ أَبُو نَصْرٍ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أُفُقِيٌّ بِضَمِّهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَأَنْشَدَ غَيْرُ الْجَوْهَرِيِّ:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمُ ... لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ
" وَفِي أَنْفُسِهِمْ" مِنْ لَطِيفِ الصَّنْعَةِ وَبَدِيعِ الْحِكْمَةِ حَتَّى سَبِيلِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَشْرَبُ وَيَأْكُلُ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ وَيَتَمَيَّزُ ذَلِكَ مِنْ مَكَانَيْنِ، وَبَدِيعِ صَنْعَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ فِي عَيْنَيْهِ اللَّتَيْنِ هُمَا قَطْرَةُ مَاءٍ يَنْظُرُ بِهِمَا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَفِي أُذُنَيْهِ اللَّتَيْنِ يُفَرِّقُ بِهِمَا بَيْنَ الْأَصْوَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَدِيعِ حِكْمَةِ اللَّهِ فِيهِ. وَقِيلَ:" وَفِي أَنْفُسِهِمْ" مِنْ كَوْنِهِمْ نُطَفًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنِ انْتِقَالِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي [الْمُؤْمِنُونَ «١»] بَيَانُهُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى سَيَرَوْنَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفِتَنِ وَأَخْبَارِ الْغُيُوبِ" حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ [أَحَدُهَا] أَنَّهُ الْقُرْآنُ. [الثَّانِي] الْإِسْلَامُ جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ. [الثَّالِثُ] أَنَّ مَا يُرِيهِمُ اللَّهُ وَيَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ. [الرَّابِعُ] أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرَّسُولُ الْحَقُّ." أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ" فِي مَوْضِعِ رفع بأنه فاعل" بيكف" وَ" أَنَّهُ" بَدَلٌ مِنْ" رَبِّكَ" فَهُوَ رَفْعٌ إِنْ قَدَّرْتَهُ بَدَلًا عَلَى الْمَوْضِعِ، وَجَرٌّ" إِنْ" قَدَّرْتَهُ بَدَلًا عَلَى اللَّفْظِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نصبا بتقدير حذف اللام، والمعنى أو لم يَكْفِهِمْ رَبُّكَ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ، لِأَنَّهُ" عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" وَإِذَا شَهِدَهُ جَازَى عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ" فِي مُعَاقَبَتِهِ الْكُفَّارَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ" يَا مُحَمَّدُ أَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى أَعْمَالِ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ:" أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ" شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ:" أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ" مِمَّا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ" شَهِيدٌ" وَالشَّهِيدُ بِمَعْنَى الْعَالِمِ، أَوْ هُوَ مِنَ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ الْحُضُورُ" أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ" فِي شَكٍّ" مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ" فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ مِنَ الْبَعْثِ." أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ" أَيْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شي.
(١). راجع ج ١٢ ص ١٠٩ طبعه أولى أو ثانيه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute