ابن مَظْعُونِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ أَبْيَاتَنَا فَتُوُفِّيَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ [؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَنْ؟ قَالَ:] أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَمَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْجَنَّةَ وَوَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ [. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَقَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا حِينَ لَمْ يَعْلَمْ بِغُفْرَانِ ذَنْبِهِ، وَإِنَّمَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَنْبَهُ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ. قُلْتُ: حَدِيثُ أُمِّ الْعَلَاءِ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَرِوَايَتِي فِيهِ:" وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ" لَيْسَ فِيهِ" بِي وَلا بِكُمْ" وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَالْآيَةُ ليست بمنسوخة، لِأَنَّهَا خَبَرٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ مِنْ جِهَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَبَرٌ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَاحْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ وَتَوْبِيخٌ لَهُمْ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَيْضًا خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَمُحَالٌ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُشْرِكِينَ" مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ" فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ مَبْعَثِهِ إِلَى مَمَاتِهِ يُخْبِرُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ وَاتَّبَعَهُ وَأَطَاعَهُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَدْ رَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُفْعَلُ بِهِ وَبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ. وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَيَقُولُونَ كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي أَتَصِيرُ إِلَى خَفْضٍ وَدَعَةٍ أَمْ إِلَى عَذَابٍ وَعِقَابٍ. وَالصَّحِيحُ فِي الْآيَةِ قَوْلُ الْحَسَنِ، كَمَا قَرَأَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الْحَسَنَ" وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ فِي الدُّنْيَا" قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلٍ وَأَحْسَنُهُ، لَا يَدْرِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْحَقُهُ وَإِيَّاهُمْ مِنْ مَرَضٍ وَصِحَّةٍ وَرُخْصٍ وَغَلَاءٍ وَغِنًى وَفَقْرٍ. وَمِثْلُهُ" وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ" «١» [الأعراف: ١٨٨]. وذكر الواحدي وغيره عن الكلبي عن أبي صالح عن
(١). آية ١٨٨ سورة الأعراف.] [
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute