للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنْ تَوَلَّوْا" أَيْ عَنِ الْإِيمَانِ" فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ" قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الشِّقَاقُ الْمُنَازَعَةُ. وَقِيلَ: الشِّقَاقُ الْمُجَادَلَةُ وَالْمُخَالَفَةُ وَالتَّعَادِي. وَأَصْلُهُ مِنَ الشِّقِّ وَهُوَ الْجَانِبُ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

إِلَى كَمْ تَقْتُلُ الْعُلَمَاءُ قَسْرًا ... وَتَفْجُرُ بِالشِّقَاقِ وَبِالنِّفَاقِ «١»

وَقَالَ آخَرُ:

وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّا وَأَنْتُمْ ... بُغَاةٌ مَا بَقِينَا فِي شِقَاقِ

وَقِيلَ: إِنَّ الشِّقَاقَ مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْلِ مَا يَشُقُّ وَيَصْعُبُ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يَحْرِصُ عَلَى مَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ" أَيْ فَسَيَكْفِي اللَّهُ رَسُولَهُ عَدُوَّهُ. فَكَانَ هَذَا وَعْدًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سَيَكْفِيهِ مَنْ عَانَدَهُ وَمَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْمُتَوَلِّينَ بِمَنْ يَهْدِيهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنْجَزَ لَهُ الْوَعْدَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي قَتْلِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ وَإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ. وَالْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ مَفْعُولَانِ. وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ: فَسَيَكْفِيكَ [إِيَّاهُمْ «٢»]. وَهَذَا الْحَرْفُ" فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ" هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ دَمُ عُثْمَانَ حِينَ قُتِلَ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ بذلك. و" السَّمِيعُ" لِقَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ" الْعَلِيمُ" بِمَا يُنْفِذُهُ فِي عِبَادِهِ وَيُجْرِيهِ عَلَيْهِمْ. وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا دُلَامَةَ دَخَلَ عَلَى الْمَنْصُورِ وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ، وَدُرَّاعَةٌ «٣» مَكْتُوبٌ بَيْنَ كَتِفَيْهَا" فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، وَسَيْفٌ مُعَلَّقٌ فِي وَسْطِهِ، وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ أَمَرَ الْجُنْدُ بِهَذَا الزِّيِّ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ حَالُكَ يَا أَبَا دُلَامَةَ؟ قَالَ: بِشَرٍّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: مَا ظَنُّكَ بِرَجُلٍ وَجْهُهُ فِي وَسْطِهِ، وَسَيْفُهُ فِي اسْتِهِ، وَقَدْ نَبَذَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ! فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ مِنْهُ، وَأَمَرَ بِتَغْيِيرِ ذَلِكَ الزي من وقته.


(١). في أ:" ... يقتل ... ويفجر ... " بالياء.
(٢). زيادة من إعراب القرآن للنحاس.
(٣). الدراعة والمدرع: جبة مشوقة المقدم.