للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَوْضِعَ الْمَاضِي، دَلَالَةً عَلَى اسْتِدَامَةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ. وَخَصَّ بِقَوْلِهِ:" مِنَ النَّاسِ" لِأَنَّ السَّفَهَ يَكُونُ فِي جَمَادَاتٍ وَحَيَوَانَاتٍ. وَالْمُرَادُ مِنَ" السُّفَهاءُ" جَمِيعُ مَنْ قَالَ:" مَا وَلَّاهُمْ". وَالسُّفَهَاءُ جَمْعٌ، وَاحِدُهُ سَفِيهٌ، وَهُوَ الْخَفِيفُ الْعَقْلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَوْبٌ سَفِيهٌ إِذَا كَانَ خفيف النسج، وقد تقدم «١». والنساء سقائه. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: السَّفِيهُ الْبَهَّاتُ الْكَذَّابُ الْمُتَعَمِّدُ خِلَافَ مَا يَعْلَمُ. قُطْرُبٌ: الظَّلُومُ الْجَهُولُ، وَالْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ هُنَا الْيَهُودُ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. السُّدِّيُّ: الْمُنَافِقُونَ. الزَّجَّاجُ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ لَمَّا أَنْكَرُوا تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ قَالُوا: قَدِ اشْتَاقَ مُحَمَّدٌ إِلَى مَوْلِدِهِ وَعَنْ قَرِيبٍ يَرْجِعُ إِلَى دِينِكُمْ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: قَدِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَتَحَيَّرَ. وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: ما ولاهم عن قبلتهم! واستهزءوا بالمسلمين. و" وَلَّاهُمْ" يَعْنِي عَدَلَهُمْ وَصَرَفَهُمْ. الثَّانِيَةُ- رَوَى الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِمَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ «٢» فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ صَلَّى أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الْعَصْرَ «٣» وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ. وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ"، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ صَلَاةُ الصُّبْحِ. وَقِيلَ: نَزَلَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلِمَةَ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا فَتَحَوَّلَ في الصلاة، فسمي ذلك


(١). يراجع ج ١ ص ٢٠٥ طبعه ثانية.
(٢). قباء (بالضم): قرية على ميلين من المدينة على يسار لقاصد إلى مكة بها أثر بنيان كثير، وهناك مسجد التقوى. (عن معجم ياقوت).
(٣). رواية البخاري كما في صحيحه:" وإنه صلى- أو صلاها- صلاة العصر ... ".