للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ: صَلَّى الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً، وَذَلِكَ أَنَّ قُدُومَهُ الْمَدِينَةَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ باستقبال الكعبة الثُّلَاثَاءِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِقْبَالِهِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْ رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ، وَقَالَهُ «١» عِكْرِمَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ. الثَّانِي- أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ، فَاخْتَارَ الْقُدْسَ طَمَعًا فِي إِيمَانِ الْيَهُودِ وَاسْتِمَالَتِهِمْ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: امْتِحَانًا لِلْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ أَلِفُوا الْكَعْبَةَ. الثَّالِثُ- وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيِهِ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِصَلَاتِهِ الْكَعْبَةَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ" الْآيَةَ. الْخَامِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا حِينَ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوَّلًا بِمَكَّةَ، هَلْ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ إِلَى مَكَّةَ، عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِالْمَدِينَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَوَّلُ مَا افْتُرِضَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي إِلَيْهَا طُولَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، عَلَى الْخِلَافِ، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي. قَالَ غَيْرُهُ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْلِفَ الْيَهُودَ فَتَوَجَّهَ [إِلَى] قِبْلَتِهِمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُمْ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ عِنَادَهُمْ وَأَيِسَ مِنْهُمْ أَحَبَّ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى الْكَعْبَةَ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَتْ مَحَبَّتُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا كَانَتْ أَدْعَى لِلْعَرَبِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَرُوِيَ عن أبي العالية


(١). في الأصول:" وقال".