للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوُلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُولٌ عَلَى قَرَائِنِ إِفَادَةِ الْعِلْمِ إِمَّا نَقْلًا وَتَحْقِيقًا، وَإِمَّا احْتِمَالًا وَتَقْدِيرًا. وَتَتْمِيمُ هَذَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. التَّاسِعَةُ- وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّاسِخُ إِنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ يَرْتَفِعُ بِوُجُودِ النَّاسِخِ لَا بِالْعِلْمِ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ لَمْ يَزَالُوا يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى أَنْ أَتَاهُمُ الْآتِي فَأَخْبَرَهُمْ بِالنَّاسِخِ فَمَالُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ. فَالنَّاسِخُ إِذَا حَصَلَ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ رَافِعٌ لَا مَحَالَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِهِ، لِأَنَّ النَّاسِخَ خِطَابٌ، وَلَا يَكُونُ خِطَابًا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ. وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِي عِبَادَاتٍ فُعِلَتْ بَعْدَ النَّسْخِ وَقَبْلَ الْبَلَاغِ هَلْ تُعَادُ أم لا، وعليه تنبي مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ فِي تَصَرُّفِهِ بَعْدَ عَزْلِ مُوَكِّلِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَكَذَلِكَ الْمُقَارِضُ «١»، وَالْحَاكِمُ إِذَا مَاتَ مَنْ وَلَّاهُ أَوْ عُزِلَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْفُذُ فِعْلُهُ وَلَا يُرَدُّ حُكْمُهُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ فِي أَحْكَامِ مَنْ أُعْتِقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ أَنَّهَا أَحْكَامُ حُرٍّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَجَائِزَةٌ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْمُعْتَقَةِ أَنَّهَا لَا تُعِيدُ مَا صَلَّتْ بَعْدَ عِتْقِهَا وَقَبْلَ عِلْمِهَا بِغَيْرِ سِتْرٍ، وإنما اختلفوا فيمن يطرأ عليه موجب بغير حُكْمَ عِبَادَتِهِ وَهُوَ فِيهَا، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ قُبَاءٍ، فَمَنْ صَلَّى عَلَى حَالٍ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ بِهِ حَالُهُ تِلْكَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ إِنَّهُ يُتِمُّهَا وَلَا يَقْطَعُهَا وَيَجْزِيهِ مَا مَضَى. وَكَذَلِكَ كَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ ثَوْبًا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ صَحِيحًا فَمَرِضَ، أَوْ مَرِيضًا فَصَحَّ، أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، أَوْ أَمَةً عُتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ إِنَّهَا تَأْخُذُ قِنَاعَهَا وَتَبْنِي. قُلْتُ: وَكَمَنَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَطَرَأَ عَلَيْهِ الْمَاءُ إِنَّهُ لَا يَقْطَعُ، كَمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يَقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَسَيَأْتِي. الْعَاشِرَةُ- وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مِنَ السَّلَفِ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي توجيهه ولأنه وَرُسُلَهُ آحَادًا لِلْآفَاقِ، لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ فَيُبَلِّغُوهُمْ سُنَّةَ رَسُولِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأوامر والنواهي.


(١). القراض (بكسر القاف) عند المالكية هو ما يسمى بالمضاربة عند الحنفية، وهو إعطاء المقارص (بكسر الراء وهو رب المال) المقارض (بفتح الراء وهو العامل) مالا ليتجر به على أن يكون له جزء معلوم من الربح.