للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَهِدَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ على بعير فقال:] يا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا عَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ - قَالُوا نَعَمْ قَالَ- ليبلغ الشاهد الغائب [. وفية عن أبو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَحْسَابِكُمْ وَلَا إِلَى أَنْسَابِكُمْ وَلَا إِلَى أَجْسَامِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ صَالِحٌ تَحَنَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَأَحَبُّكُمْ إِلَيْهِ أَتْقَاكُمْ [. وَلِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ مَشْهُورٌ مِنْ شِعْرِهِ:

النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكِفَاءُ ... أَبُوهُمُ آدَمُ وَالْأُمُّ حَوَّاءُ

نَفْسٌ كَنَفْسٍ وَأَرْوَاحٌ مُشَاكَلَةٌ ... وَأَعْظُمٌ خُلِقَتْ فِيهِمْ وَأَعْضَاءُ

فَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ مِنْ أَصْلِهِمْ حَسَبٌ ... يُفَاخِرُونَ بِهِ فَالطِّينُ وَالْمَاءُ

مَا الْفَضْلُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ ... عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ

وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ ... وَلِلرِّجَالِ عَلَى الْأَفْعَالِ سِيمَاءُ

وَضِدُّ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يَجْهَلُهُ ... وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ

الثَّانِيَةُ- بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَكَذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ" النِّسَاءِ" «١». وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَهُ دُونَهُمَا كَخَلْقِهِ لِآدَمَ، أَوْ دُونَ ذَكَرٍ كَخَلْقِهِ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ دُونَ أُنْثَى كَخَلْقِهِ حَوَّاءَ مِنْ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ. وَهَذَا الْجَائِزُ فِي الْقُدْرَةِ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْوُجُودَ. وَقَدْ جَاءَ أَنَّ آدَمَ خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعٍ انْتَزَعَهَا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَلَعَلَّهُ هَذَا الْقِسْمُ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. الثَّالِثَةُ- خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنْسَابًا وَأَصْهَارًا وَقَبَائِلَ وَشُعُوبًا، وَخَلَقَ لَهُمْ مِنْهَا التَّعَارُفَ، وَجَعَلَ لَهُمْ بِهَا التَّوَاصُلَ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، فَصَارَ كُلُّ أَحَدٍ يَحُوزُ نَسَبَهُ، فَإِذَا نَفَاهُ رَجُلٌ عَنْهُ اسْتَوْجَبَ الْحَدَّ بِقَذْفِهِ، مِثْلُ أن ينفيه عن رهطه وحسبه،


(١). راجع ج ٥ ص ١ وما بعدها.