للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشُّعُوبَ هُمُ الْمُضَافُونَ إِلَى النَّوَاحِي وَالشِّعَابِ، وَالْقَبَائِلُ هُمُ الْمُشْتَرِكُونَ فِي الْأَنْسَابِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

وَتَفَرَّقُوا شُعَبًا فَكُلُّ جَزِيرَةٍ ... فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْبَرُ

وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ: الشَّعْبُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَبِيلَةِ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخِذُ. وَقِيلَ: الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخِذُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعَشِيرَةُ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُ الْأُدَبَاءِ فَقَالَ:

اقْصِدِ الشَّعْبَ فَهُوَ أَكْثَرُ حَيٍّ ... عَدَدًا فِي الْحَوَاءِ ثُمَّ الْقَبِيلَهْ

ثُمَّ تَتْلُوهَا الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْ ... بَطْنُ وَالْفَخِذُ بَعْدَهَا وَالْفَصِيلَهْ

ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا الْعَشِيرَةُ لَكِنْ ... هِيَ فِي جَنْبِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَلِيلَهْ

وَقَالَ آخَرُ:

قَبِيلَةٌ قَبْلَهَا شَعْبٌ وَبَعْدَهُمَا ... عِمَارَةٌ ثُمَّ بَطْنٌ تِلْوَهُ فَخِذُ

وَلَيْسَ يُؤْوِي الْفَتَى إِلَّا فصيلته ... ولا سداد لسهم ماله قذذ «١»

السادسة- قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ" وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ" الزُّخْرُفِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى:" وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ" «٢» [الزخرف: ٤٤]. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى هِيَ الْمُرَاعَى عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ رسوله دون الحسب والنسب. وقرى" أن" بالفتح. كأنه قيل: لم لا يَتَفَاخَرْ بِالْأَنْسَابِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ لَا أَنْسَبُكُمْ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:] الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى [. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ"، وَقَدْ جَاءَ مَنْصُوصًا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:] مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ [. وَالتَّقْوَى معناها مُرَاعَاةُ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرًا وَنَهْيًا، وَالِاتِّصَافُ بِمَا أَمَرَكَ أَنْ تَتَّصِفَ بِهِ، وَالتَّنَزُّهُ عَمَّا نَهَاكَ عَنْهُ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَفِي الْخَبَرِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنِّي جَعَلْتُ نسبا وجعلتم


(١). القذذ (جمع قذة): ريش السهم.
(٢). راجع ص ٩٣ من هذا الجزء.