للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا سُهَيْلٌ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِعَبْدِهِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ فَإِذَا مَاتَ قَالَا رَبَّنَا قَدْ مَاتَ فُلَانٌ فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى إن سمواتي مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونَنِي فَيَقُولَانِ رَبَّنَا نُقِيمُ فِي الْأَرْضِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونَنِي فَيَقُولَانِ يَا رَبِّ فَأَيْنَ نَكُونُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى كُونَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي فَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي وَسَبِّحَانِي «١» وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (. قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) أَيْ غَمْرَتُهُ وَشِدَّتُهُ، فَالْإِنْسَانُ ما دام حيا تكتب عليه أقواله وأفعاله لِيُحَاسَبَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَجِيئُهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مَا يَرَاهُ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ مِنْ ظُهُورِ الْحَقِّ فِيمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُ وَأَوْعَدَهُ. وَقِيلَ: الْحَقُّ هُوَ الْمَوْتُ سُمِّيَ حَقًّا إِمَّا لِاسْتِحْقَاقِهِ وَإِمَّا لِانْتِقَالِهِ إِلَى دَارِ الْحَقِّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَتَقْدِيرُهُ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّ السَّكْرَةَ هِيَ الْحَقُّ فَأُضِيفَتْ إِلَى نَفْسِهَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَيْ جَاءَتْ سَكْرَةُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَوْتِ. وَقِيلَ: الْحَقُّ هُوَ الْمَوْتُ وَالْمَعْنَى وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْمَوْتِ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَقَدْ زَعَمَ مَنْ طَعَنَ عَلَى الْقُرْآنِ فَقَالَ: أُخَالِفُ الْمُصْحَفَ كَمَا خَالَفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَرَأَ: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ. فَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رُوِيَتْ عَنْهُ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا مُوَافِقَةٌ لِلْمُصْحَفِ فَعَلَيْهَا الْعَمَلُ، وَالْأُخْرَى مَرْفُوضَةٌ تَجْرِي مَجْرَى النِّسْيَانِ مِنْهُ إِنْ كَانَ قَالَهَا، أَوِ الْغَلَطِ مِنْ بَعْضِ مَنْ نَقَلَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَتْ: هَذَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وضاق بها الصدر «٢»


(١). في ا، ح، ن، هـ: (وإذ كرانى). [ ..... ]
(٢). صدر البيت:
لعمرك ما يغنى الثراء ولا الغنى