للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَتَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ (. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْفَاحِشَةَ الْعَظِيمَةَ وَالزِّنَى التَّامَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ فِي الْفَرْجِ وَغَيْرُهُ لَهُ حَظٌّ مِنَ الْإِثْمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ [عَنْ أَبِي «١» هُرَيْرَةَ] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زناها الخطا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ (. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ حَدِيثَ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ فِيهِ الْأُذُنَ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ، وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ الْعَيْنَيْنِ وَاللِّسَانِ: (وَزِنَى الشَّفَتَيْنِ الْقُبْلَةُ). فَهَذَا قَوْلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ الرَّجُلُ يُلِمُّ بِذَنْبٍ ثُمَّ يَتُوبُ. قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:

إِنْ يَغْفِرِ اللَّهُ يَغْفِرْ جَمًّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا

رَوَاهُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «٢». قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَجَلُّهَا إِسْنَادًا. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِلَّا اللَّمَمَ) قَالَ: هُوَ أَنْ يُلِمَّ الْعَبْدُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ، قال الشاعر «٣»:

إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا

وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي يَأْتِي الذَّنْبَ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ، وَنَحْوُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: اللَّمَمُ أَنْ يَزْنِيَ ثُمَّ يَتُوبَ فَلَا يَعُودُ، وَأَنْ يَسْرِقَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ ثُمَّ يَتُوبَ فَلَا يَعُودُ. وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا «٤» لِذُنُوبِهِمْ) الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ «٥» رَبِّهِمْ) فَضَمِنَ لَهُمُ الْمَغْفِرَةَ، كَمَا قَالَ عقيب اللمم:


(١). من ب، ى.
(٢). روى هذا الحديث الترمذي بهذا الاسناد وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(٣). هو أمية بن الصلت قاله عند احتضار.
(٤). راجع ج ٤ ص ٢٠٩ وص ٢١٥.
(٥). راجع ج ٤ ص ٢٠٩ وص ٢١٥.