للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَتَقْدِيرُهُ انْشَقَّ الْقَمَرُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، قَالَهُ ابْنُ كَيْسَانَ. وَقَدْ مَرَّ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّ الْفِعْلَيْنِ إِذَا كَانَا مُتَقَارِبَيِ الْمَعْنَى فَلَكَ أَنْ تُقَدِّمَ وَتُؤَخِّرَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) «١». قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوُا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاشْقُقْ لَنَا الْقَمَرَ فِرْقَتَيْنِ، نِصْفٌ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنِصْفٌ عَلَى قُعَيْقِعَانَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ فَعَلْتُ تُؤْمِنُونَ) قَالُوا: نَعَمْ؟ وَكَانَتْ لَيْلَةَ بَدْرٍ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا قَالُوا، فَانْشَقَّ الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي الْمُشْرِكِينَ: (يَا فُلَانُ يَا فُلَانُ اشْهَدُوا). وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا مِنْ سِحْرِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، سَحَرَكُمْ فَاسْأَلُوا السُّفَّارَ، فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا الْقَمَرَ انْشَقَّ فَنَزَلَتْ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا) أَيْ إِنْ يَرَوْا آيَةً تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَضُوا عَنْ الْإِيمَانِ (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أَيْ ذَاهِبٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَرَّ الشَّيْءُ وَاسْتَمَرَّ إِذَا ذَهَبَ، قَالَهُ أَنَسٌ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ: مُحْكَمٌ قَوِيٌّ شَدِيدٌ، وَهُوَ مِنَ الْمِرَّةِ وَهِيَ الْقُوَّةُ، كَمَا قَالَ لَقِيطٌ:

حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ ... مُرُّ الْعَزِيمَةِ لَا [قَحْمًا «٢»] وَلَا ضَرَعَا

وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ إِمْرَارِ الْحَبْلِ وَهُوَ شِدَّةُ فَتْلِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُرٌّ مِنَ الْمَرَارَةِ. يُقَالُ: أَمَرَّ الشَّيْءَ صَارَ مُرًّا، وَكَذَلِكَ مَرَّ الشَّيْءُ [يَمُرُّ] بِالْفَتْحِ مَرَارَةٌ فَهُوَ مُرٌّ، وَأَمَرَّهُ غَيْرُهُ وَمَرَّهُ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: مُسْتَمِرٌّ نَافِذٌ. يَمَانٌ: مَاضٍ. أَبُو عُبَيْدَةَ: بَاطِلٌ. وَقِيلَ: دَائِمٌ. قال «٣»:

وليس على شي قويم بمستمر


(١). راجع ص ٨٩ من هذا الجزء.
(٢). راجع هامش ص ٨٦ من هذا الجزء في شرح البيت.
(٣). البيت لامرى القيس وصدره:
الا انما الدنيا ليال وأعصر