للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَوَسُّعًا وَمَجَازًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إِضَافَتِهَا الْفِعْلَ إِلَى الْمَحَلِّ وَالزَّمَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ الْفِعْلُ، يَقُولُونَ: لَيْلٌ نَائِمٌ وَنَهَارٌ صَائِمٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) «١» وَالْخَافِضُ وَالرَّافِعُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ، فَرَفَعَ أَوْلِيَاءَهُ فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَخَفَضَ أَعْدَاءَهُ فِي أَسْفَلِ الدَّرَكَاتِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) بِالنَّصْبِ. الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَإٍ، وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الْحَالِ. وَهُوَ عِنْدَ الْفَرَّاءِ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، وَالْمَعْنَى: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ. لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ- وَقَعَتْ: خَافِضَةً رَافِعَةً. وَالْقِيَامَةُ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهَا، وَأَنَّهَا تَرْفَعُ أَقْوَامًا وَتَضَعُ آخَرِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أَيْ زُلْزِلَتْ وَحُرِّكَتْ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرُهُ، يُقَالُ: رَجَّهُ يَرُجُّهُ رَجًّا أَيْ حَرَّكَهُ وَزَلْزَلَهُ. وَنَاقَةٌ رَجَّاءُ أي عظيمة السنام. وفي ب الْحَدِيثِ: (مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ حِينَ يَرْتَجُّ فَلَا ذِمَّةَ لَهُ) يَعْنِي إِذَا اضْطَرَبَتْ أَمْوَاجُهُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَوْحَى إِلَيْهَا اضْطَرَبَتْ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: تَرْتَجُّ كَمَا يَرْتَجُّ الصَّبِيُّ فِي الْمَهْدِ حَتَّى يَنْهَدِمَ كُلُّ مَا عَلَيْهَا، وَيَنْكَسِرَ كُلُّ شي عَلَيْهَا مِنَ الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الرَّجَّةُ الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ يُسْمَعُ لَهَا صَوْتٌ. وَمَوْضِعٌ (إِذا) نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ (إِذا وَقَعَتِ). وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِ (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أَيْ تَخْفِضُ وَتَرْفَعُ وَقْتَ رَجِّ الْأَرْضِ وَبَسِّ الْجِبَالِ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَنْخَفِضُ مَا هُوَ مُرْتَفِعٌ، وَيَرْتَفِعُ مَا هُوَ مُنْخَفِضٌ. وَقِيلَ: أَيْ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَالْجُرْجَانِيُّ. وَقِيلَ: أَيِ اذْكُرْ (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) مَصْدَرٌ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَكْرِيرِ الزَّلْزَلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أَيْ فُتِّتَتْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. مُجَاهِدٌ: كَمَا يُبَسُّ الدَّقِيقُ أَيْ يُلَتُّ. وَالْبَسِيسَةُ السَّوِيقُ أَوِ الدَّقِيقُ يُلَتُّ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَلُ وَلَا يُطْبَخُ وَقَدْ يُتَّخَذُ زَادًا. قَالَ الرَّاجِزُ:

لَا تَخْبِزَا خُبْزًا وبسابسا ... ولا تطيلا بمناخ حبسا


(١). راجع ج ١٤ ص ٣٠٢