للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَأَسْلَمَ. وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ (طه) «١». وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ. الْكَلْبِيُّ: مِنَ الشِّرْكِ. الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا. وَقِيلَ: مَعْنَى (لَا يَمَسُّهُ) لَا يَقْرَؤُهُ (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) إِلَّا الْمُوَحِّدُونَ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ وَعَبْدَةُ. قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ وَبَرَكَتَهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا). وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: لَا يُعْرَفُ تَفْسِيرُهُ وَتَأْوِيلُهُ إِلَّا مَنْ طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: لَا يُوَفَّقُ لِلْعَمَلِ بِهِ إِلَّا السُّعَدَاءُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَمَسُّ ثَوَابَهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ. وَرَوَاهُ مُعَاذٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قِيلَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ خَبَرٌ عَنِ الشَّرْعِ، أَيْ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ شَرْعًا، فَإِنْ وُجِدَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ الشَّرْعِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ. وَأَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) «٢». الْمَهْدَوِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَتَكُونُ ضَمَّةُ السِّينِ ضَمَّةَ إِعْرَابٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا وَتَكُونُ ضمة السِّينِ ضَمَّةَ بِنَاءٍ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ. السَّادِسَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مَسِّهِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وسعد بن أبي وقاص وسعيد ابن زَيْدٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسُّهُ الْمُحْدِثُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمَسُّ ظَاهِرَهُ وَحَوَاشِيَهُ وَمَا لَا مَكْتُوبَ فِيهِ، وَأَمَّا الْكِتَابُ فَلَا يَمَسُّهُ إِلَّا طَاهِرٌ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا إِنْ سَلَّمَهُ مِمَّا يُقَوِّي الْحُجَّةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ حَرِيمَ الْمَمْنُوعِ مَمْنُوعٌ. وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو


(١). راجع ج ١١ ص (١٦٣)
(٢). راجع ج ٣ ص ٩١