للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَطَفَ مَا لَيْسَ بِظَرْفٍ عَلَى الظَّرْفِ، لِأَنَّ مَعْنَى الظَّرْفِ الْحَالُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ. وَالْمَعْنَى يَسْعَى كَائِنًا (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) وَكَائِنًا (بِأَيْمانِهِمْ)، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ (يَسْعى). وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنُّورِ الْقُرْآنَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالنَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ رِجْلِهِ فَيُطْفَأُ مَرَّةً وَيُوقَدُ أُخْرَى. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يضئ نُورُهُ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَعَدَنٍ أَوْ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ وَدُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ منهم من لا يضئ نُورُهُ إِلَّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ) قَالَ الْحَسَنُ: لِيَسْتَضِيئُوا بِهِ عَلَى الصِّرَاطِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِيَكُونَ دَلِيلًا لَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) التَّقْدِيرُ يُقَالُ لَهُمْ: (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) دُخُولُ جَنَّاتٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ، لِأَنَّ الْبُشْرَى حَدَثٌ، وَالْجَنَّةُ عَيْنٌ فَلَا تَكُونُ هِيَ هِيَ. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أَيْ مِنْ تَحْتِهِمْ أَنْهَارُ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ وَالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ مِنْ تَحْتِ مَسَاكِنِهَا. (خالِدِينَ فِيها) حَالٌ مِنَ الدُّخُولِ الْمَحْذُوفِ، التَّقْدِيرُ (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) دُخُولُ جَنَّاتٍ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مُقَدَّرِينَ الْخُلُودَ فِيهَا وَلَا تَكُونُ الْحَالُ مِنْ بُشْرَاكُمْ، لِأَنَّ فِيهِ فَصْلًا بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْبُشْرَى، كَأَنَّهُ قَالَ: تُبَشَّرُونَ خَالِدِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ (الْيَوْمَ) خَبَرًا عَنْ (بُشْراكُمُ) وَ (جَنَّاتٌ) بَدَلًا مِنَ الْبُشْرَى عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَ (خالِدِينَ) حَالٌ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ نَصْبَ (جَنَّاتٌ) عَلَى الْحَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ (الْيَوْمَ) خَبَرًا عَنْ (بُشْراكُمُ) وَهُوَ بَعِيدٌ، إِذْ لَيْسَ فِي (جَنَّاتٌ) مَعْنَى الْفِعْلِ. وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ (بُشْراكُمُ) نَصْبًا عَلَى مَعْنَى يُبَشِّرُونَهُمْ بُشْرَى وَيَنْصِبُ (جَنَّاتٌ) بِالْبُشْرَى وَفِيهِ تفرقة بين الصلة والموصول.