ربيعة: قال قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ، وقد اجتمعوا على علم بِذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا نَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَا نَسْأَلُ عنه. وقد ذكر سنيد قال حدثنا معتمر عَنْ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حَالًا، اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ تَأْلِيفَ سُوَرِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ في مصاحفنا كَانَ عَنْ تَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنَ اخْتِلَافِ مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْعَرْضِ الْأَخِيرِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَتَّبَ لَهُمْ تَأْلِيفَ السُّوَرِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ ذَلِكَ. رَوَى يُونُسُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ جُمْلَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ فَرَّقَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتِ السُّورَةُ تَنْزِلُ فِي أَمْرٍ يَحْدُثُ، وَالْآيَةُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ يَسْأَلُ، وَيُوقِفُ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى موضع السُّورَةِ وَالْآيَةِ، فَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كَاتِّسَاقِ الْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ، فَكُلُّهُ عَنْ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَمَنْ أَخَّرَ سُورَةً مُقَدَّمَةً أَوْ قَدَّمَ أُخْرَى مُؤَخَّرَةً فَهُوَ كَمَنْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْآيَاتِ، وَغَيَّرَ الْحُرُوفَ وَالْكَلِمَاتِ، وَلَا حُجَّةَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ فِي تَقْدِيمِ الْبَقَرَةِ عَلَى الْأَنْعَامِ، وَالْأَنْعَامُ نَزَلَتْ قَبْلَ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخِذَ عَنْهُ هَذَا التَّرْتِيبُ، وَهُوَ كَانَ يَقُولُ:" ضَعُوا هَذِهِ السُّورَةَ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْقُرْآنِ". وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقِفُ عَلَى مَكَانِ الْآيَاتِ. حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ حدثنا أبو بكر عَيَّاشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: آخَرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ:" يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ «١» ". عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخَرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ:" وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ".
(١). آخر سورة" النساء".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute