جَسِيمًا صَحِيحًا صَبِيحًا ذَلِقَ اللِّسَانِ، فَإِذَا قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ. وَصَفَهُ اللَّهُ بِتَمَامِ الصُّورَةِ وَحُسْنِ الْإِبَانَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمُرَادُ ابْنُ أُبَيٍّ وَجَدُّ بْنُ قَيْسٍ ومعتب ابن قُشَيْرٍ، كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَامٌ وَمَنْظَرٌ وَفَصَاحَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ قَالَ: كانوا رجالا أجمل شي كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، شَبَّهَهُمْ بِخُشُبٍ مُسَنَّدَةٍ إِلَى الْحَائِطِ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، أَشْبَاحٌ بِلَا أَرْوَاحٍ وَأَجْسَامٌ بِلَا أَحْلَامٍ. وَقِيلَ: شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ الَّتِي قَدْ تَآكَلَتْ فَهِيَ مُسْنَدَةٌ بِغَيْرِهَا لَا يُعْلَمُ مَا فِي بَطْنِهَا. وَقَرَأَ قُنْبُلٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ خُشُبٌ بِإِسْكَانِ الشِّينِ. وَهِيَ قِرَاءَةُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَاخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، لِأَنَّ وَاحِدَتَهَا خَشَبَةٌ. كَمَا تَقُولُ: بَدَنَةٌ وَبُدْنٌ، وَلَيْسَ فِي اللُّغَةِ فَعَلَةٌ يُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ. وَيَلْزَمُ مِنْ ثِقَلِهَا أَنْ تَقُولَ: الْبُدُنُ، فَتُقْرَأُ (وَالْبُدُنُ). وَذَكَرَ الْيَزِيدِيُّ أَنَّهُ جِمَاعُ الْخَشْبَاءِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَحَدائِقَ غُلْباً وَاحِدَتُهَا حَدِيقَةٌ غَلْبَاءُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّثْقِيلِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْبَزِّيِّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَعَيَّاشٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَاصِمٍ. وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ، كَأَنَّهُ جَمْعُ خشاب وخشب، نحو ثمرة وثمار ثمر. وإن شئت جمعت خشبة على خشبة كَمَا قَالُوا: بَدَنَةً وَبُدْنٍ وَبُدُنٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فَتْحُ الْخَاءِ وَالشِّينِ فِي خُشُبٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: خَشَبَةٌ وَخُشُبٌ، مِثْلَ بَدَنَةٍ وَبُدُنٍ، قَالَ: وَمِثْلُهُ بِغَيْرِ هَاءٍ أَسَدٌ وَأُسْدٌ وَوَثَنٌ وَوُثْنٌ وَتُقْرَأُ خُشُبٌ وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ، خَشَبَةٌ وَخِشَابٌ وَخُشُبٌ، مِثْلَ ثَمَرَةٍ وَثِمَارٍ وَثُمُرٍ. وَالْإِسْنَادُ الْإِمَالَةُ، تَقُولُ: أَسْنَدْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَمَلْتُهُ. ومُسَنَّدَةٌ لِلتَّكْثِيرِ، أَيِ اسْتَنَدُوا إِلَى الْأَيْمَانِ بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) أَيْ كُلُّ أَهْلِ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ. فَ هُمُ الْعَدُوُّ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا ضَمِيرَ فِيهِ. يَصِفُهُمْ بِالْجُبْنِ وَالْخَوَرِ. قَالَ مُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: أَيْ إِذَا نَادَى مُنَادٍ فِي الْعَسْكَرِ أَنِ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ أَوْ أُنْشِدَتْ ضَالَّةٌ ظَنُّوا أَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ، لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ الْأَخْطَلُ:
مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شي بَعْدَهُمْ ... خَيْلًا تَكُرُّ عَلَيْهِمُ وَرِجَالَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute