للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ عَنْتَرَةُ:

وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ لِذِي وَلِيٍّ ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ كَالْعُصَبِ الْعِزِينِ

وَوَاحِدُ عِزِينَ عِزَةٌ، جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لِيَكُونَ ذَلِكَ عِوَضًا مِمَّا حُذِفَ مِنْهَا. وَأَصْلُهَا عِزْهَةٌ، فَاعْتَلَّتْ كَمَا اعْتَلَّتْ سَنَةً فِيمَنْ جَعَلَ أَصْلَهَا سِنْهَةً. وَقِيلَ: أَصْلُهَا عِزْوَةٌ، مِنْ عَزَاهُ يَعْزُوهُ إِذَا أَضَافَهُ إِلَى غَيْرِهِ. فَكُلٌّ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمَاعَاتِ مُضَافَةٌ إِلَى الْأُخْرَى، وَالْمَحْذُوفُ مِنْهَا الْوَاوُ. وَفِي الصِّحَاحِ:" وَالْعِزَةُ الْفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ، وَالْهَاءِ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ، وَالْجَمْعُ عِزًى- عَلَى فِعَلٍ- وَعِزُونَ وَعُزُونَ أَيْضًا بِالضَّمِّ، وَلَمْ يَقُولُوا عِزَاتٌ كَمَا قَالُوا ثِبَاتٌ". قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ فِي الدَّارِ عِزُونَ، أَيْ أصناف من الناس. وعَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ متعلق ب مُهْطِعِينَ ويجوز أن يتعلق ب عِزِينَ عَلَى حَدِّ قَوْلِكَ: أَخَذْتُهُ عَنْ زَيْدٍ. (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَمِعُونَ كَلَامَهُ فَيُكَذِّبُونَهُ وَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِأَصْحَابِهِ وَيَقُولُونَ: لَئِنْ دَخَلَ هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم، ولين أُعْطُوا مِنْهَا شَيْئًا لَنُعْطَيَنَّ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَنَزَلَتْ: أَيَطْمَعُ الآية. وقيل: كان المستهزءون خمسة أرهط. وقرا الحسن طلحة بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْأَعْرَجُ أَنْ يُدْخَلَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْخَاءِ مُسَمَّى الْفَاعِلِ. وَرَوَاهُ الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ. الْبَاقُونَ أَنْ يُدْخَلَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ. (كَلَّا) لَا يَدْخُلُونَهَا. ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ أَيْ إِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ، كَمَا خُلِقَ سَائِرُ جِنْسِهِمْ. فَلَيْسَ لَهُمْ فَضْلٌ يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِنَّمَا تُسْتَوْجَبُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَيَتَكَبَّرُونَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ مِنَ الْقَذَرِ، فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ هَذَا التَّكَبُّرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هذه الآية: إنما خلقت يا بن آدَمَ مِنْ قَذَرٍ فَاتَّقِ اللَّهَ. وَرُوِيَ أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَأَى المهلب ابن أَبِي صُفْرَةَ يَتَبَخْتَرُ فِي مُطْرَفٍ «١» خَزٍّ وَجُبَّةِ خَزٍّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا هذه المشية التي يبغضها


(١). المطرف (بكسر الميم وضمها): واحد المطارف، وهى أردية من خز مربعة لها أعلام.