للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ بِتَخْفِيفٍ مَا لَمْ يَمُتْ، إِلَّا مَا رَوَى الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ" وَمَا هُوَ بِمَيْتٍ «١» " وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ التَّثْقِيلُ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا مَا مَاتَ مَيْتٌ مِنْ تَمِيمِ ... فَسَرَّكَ أَنْ يَعِيشَ فَجِئْ بِزَادِ

فَلَا أَبْلَغَ فِي الْهِجَاءِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَيِّتَ حَقِيقَةً، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ شَارَفَ الْمَوْتَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. الثَّالِثَةُ- الْمَيْتَةُ: مَا فَارَقَتْهُ الرُّوحُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ مِمَّا يُذْبَحُ، وَمَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ فَذَكَاتُهُ كَمَوْتِهِ، كَالسِّبَاعِ وَغَيْرِهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ هُنَا وَفِي" الْأَنْعَامِ «٢» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَدَمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ). أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْعَنْبَرِ «٣» يُخَصَّصُ عُمُومَ الْقُرْآنِ بِصِحَّةِ سَنَدِهِ. خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ"، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ «٤»، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ دَوَابِّ الْبَحْرِ حَيِّهَا وَمَيِّتِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَتَوَقَّفَ أَنْ يُجِيبَ فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ وَقَالَ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرًا! قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَتَّقِيهِ وَلَا أَرَاهُ حَرَامًا. الْخَامِسَةُ- وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَخْصِيصِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِالسُّنَّةِ، وَمَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ كُنَّا نَأْكُلُ الْجَرَادَ مَعَهُ. وَظَاهِرُهُ أَكْلُهُ كَيْفَ مَا مَاتَ بِعِلَاجٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَمَنَعَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَكْلِهِ إِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، ألا ترى أن الحرم يجزئه إذا قتله، فأشبه الغزال. وقال


(١). راجع ج ٩ ص ٣٥٢.
(٢). راجع ج ٧ ص ١١٦.
(٣). العنبر: سمكة كبيرة بحرية تتخذ من جلدها الاتراس، ويقال للترس: عنبر، وسمي هذا الحوت بالعنبر لوجوده في جوفه. (عن القسطلاني واللسان).
(٤). راجع ج ٦ ص ٣١٨.