للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ: هَلُمَّ وَتَعَالَ وَأَقْبِلْ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُوجِبُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ الْمَأْثُورَةَ الْمَنْقُولَةَ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا، وَاتَّفَقَتْ مَعَانِيهَا، كَانَ ذَلِكَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْخِلَافِ فِي هَلُمَّ، وَتَعَالَ، وَأَقْبِلْ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَتَابِعُوهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ أَوْرَدَ حَرْفًا مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ بُهِتَ وَمَالَ وَخَرَجَ مِنْ مَذْهَبِ الصَّوَابِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَعَلُوهُ قَاعِدَتَهُمْ فِي هَذِهِ الضَّلَالَةِ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَنَسٍ، فَهُوَ مَقْطُوعٌ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ فَيُؤْخَذُ بِهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَعْمَشَ رَأَى أَنَسًا وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى «١»: (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْحَاءِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، أَيْ تَصَرُّفًا فِي حَوَائِجِكَ، وَإِقْبَالًا وَإِدْبَارًا وَذَهَابًا وَمَجِيئًا. وَالسَّبْحُ: الْجَرْيُ وَالدَّوَرَانُ، وَمِنْهُ السَّابِحُ فِي الْمَاءِ، لِتَقَلُّبِهِ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَفَرَسٌ سَابِحٌ: شَدِيدُ الْجَرْيِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

مِسَحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الْوَنَى ... أَثَرْنَ الْغُبَارَ بِالْكَدِيدِ الْمُرَكَّلِ «٢»

وَقِيلَ: السَّبْحُ الْفَرَاغُ، أَيْ إِنَّ لَكَ فَرَاغًا لِلْحَاجَاتِ بِالنَّهَارِ. وَقِيلَ: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً أَيْ نَوْمًا، وَالتَّسَبُّحُ التَّمَدُّدُ، ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ: (سَبْحاً طَوِيلًا) يَعْنِي فَرَاغًا طَوِيلًا لِنَوْمِكَ وَرَاحَتِكَ، فَاجْعَلْ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ لِعِبَادَتِكَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنْ فَاتَكَ فِي الليل شي فَلَكَ فِي النَّهَارِ فَرَاغُ الِاسْتِدْرَاكِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَأَبُو وَائِلٍ" سَبْخًا" بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَعْنَاهُ النَّوْمُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْقَارِئِينَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْخِفَّةُ وَالسَّعَةُ والاستراحة، ومنه قول


(١). جملة: (قوله تعالى) ساقطة من ح.
(٢). مسح: معناه يصب الجري صبا. وهذه الكلمة وردت محرفة في ط وهي ساقطة من سائر الأصول. والتصويب من الديوان واللسان. والونى: الفتور والكلال. والكديد: الموضع الغليظ. والمركل: الذي يركل بالأرجل. ومعنى البيت: إن الخيل السريعة إذا فترت فأثارت الغبار بأرجلها من التعب جرى هذا الفرس جريا سهلا كما يسح السحاب المطر.