قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)
فِي التِّرْمِذِيِّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ، يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
قَالَ: فَكَانَ يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ. وَحَرَّكَ سُفْيَانُ شَفَتَيْهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
قَالَ جَمْعَهُ فِي صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَؤُهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَقْرَأَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ اسْتَمَعَ، وَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أقرأه، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه: ([١١٤) وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا كَانَ يَعْجَلُ بِذِكْرِهِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّهِ لَهُ، وَحَلَاوَتِهِ فِي لِسَانِهِ، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ، لِأَنَّ بَعْضَهُ مُرْتَبِطٌ بِبَعْضٍ، وَقِيلَ: كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ حَرَّكَ لِسَانَهُ مَعَ الْوَحْيِ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهُ، فَنَزَلَتْ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه: ١١٤] ونزل: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى: ٦] وَنَزَلَ: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وقُرْآنَهُ
أَيْ وَقِرَاءَتُهُ عَلَيْكَ. وَالْقِرَاءَةُ وَالْقُرْآنُ فِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ مَصْدَرَانِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
أَيْ فَاتَّبِعْ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) أَيْ تَفْسِيرَ مَا فِيهِ مِنَ الْحُدُودِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَتَحْقِيقِهِمَا. وَقِيلَ: أَيْ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا قَالَ ابن عباس: أي إن
(١). راجع ج ١١ ص ٢٥٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute